Ayham Al Sati – Okba Mohammad
قدّمت ميمونة ديراوي الشابة الإسبانية البالغة من العمر 22 عاماً سيرتها الذاتية لمحل مثلّجات وسط مدينة مُرسية، عندما كان يحتاج لموظّفين يتحدثون عدة لغات كي يتعاملوا مع السيّاح، حيث أبدو اهتماماً بالسيرة الذاتية، لكن عندما تمّت المقابلة وجهاً لوجه: “أخبرني أحدهم، أن الناس لن يعجبهم أن تقوم فتاة محجبة بمثل هذا العمل”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها ميمونة المسلمة من أصل مغربي، للتمييز بسبب هويتها الدينية عندما كانت تبحث عن عمل لتخفف على عائلتها عبء المصروفات التي يدفعونها لها للدراسة في الجامعة، وأيضاً حتى تستطيع دفع ثمن تذاكر المواصلات، وقد تم رفض توظيفها في أغلب الأعمال التي تقدمت لها بسبب ارتدائها الحجاب. تقول الشابة التي تدرس طب العيون وطب عام في آن واحد في مقابلة مع مجلة بيننا : “كل الأعمال في القطاع العام لا يوظّفونك بسبب موضوع الحجاب لأنه بالنسبة لهم أن العمل بهذا اللباس ليس صحيحاً أو لا يُرى جيداً”.
تتحدث ميمونة أيضاً خمس لغات: الإسبانية والألمانية والفرنسية والإنجليزية والعربية، بالرغم من ذلك لم تنجح في إيجاد عمل في المخابز أو المقاهي أو المطاعم بسبب ديانتها وحجابها.
تؤكد الشابة أنها تعرضت للتمييز العنصري أيضاً عندما حاولت العمل في إعطاء الدروس الخاصة للأطفال، حيث توضح أنها في إحدى المرات اتصلت بها سيدة للتعاقد معها لإعطاء دروس خصوصية، وكان كل شيء يسير على مايرام، ولكن عند اللقاء فتحت السيدة وسألت: “ماذا تريدين؟”، تشرح الفتاة عبر مكالمة هاتفية ساخرةً من الموقف. مشيرةً أن السيّدة دخلت في حالة استغراب عندما شاهدت اللباس والحجاب، وبعد انتهاء الدرس أرسلت للشابة تبلغها أنها لا تريد المزيد من الدروس، وهو ما تعتبره الفتاة تمييزاً.
تعتبر ديراوي واحدة من بنات المهاجرين، وكان أصدر المرصد الإسباني للعنصرية وكراهية الأجانب (OBERAXE) تقريراً حول اندماجهم في سوق العمل الإسباني، وأشار المؤلفون فيه إلى أن اندماج أبناء المهاجرين في سوق العمل يمثل تحدياً واضحاً على المستوى الأوروبي وفي إسبانيا، وأظهرت الأبحاث وجود تمييز وعدم مساواة في وصول أبناء المهاجرين إلى سوق العمل.
وفقاً لنتائج هذا البحث الذي تم تنفيذه في عام 2022، فإن هناك تمييزاً ضد أبناء المهاجرين مقارنةً بأبناء الإسبان في سوق العمل، وأن هذا يحدث في أي وظيفة بمقادير مختلفة. إذ أوضح التقرير أن لدى أبناء الإسبان فرص 36٪ أكثر من أبناء المهاجرين في اختيارهم لاجتياز عملية الاختيار الأولى في عروض العمل. وبالمقارنة بأبناء الإسبان، فإن أبناء المغاربة لديهم 50٪ من احتمالية رفض طلبات وظائفهم مقابل أبناء المهاجرين من بيرو 30% ومن أبناء المهاجرين من الصينيين 31%.
بعد العديد من الاتصالات والمراسلات عبر البريد الالكتروني منذ شهر يناير 2023 مع مكتب نائب رئيسة وزارة العمل والاقتصاد الاسبانية، لم تحصل مجلة بيننا على الأجوبة لأسئلة حول معلومات وبيانات تتعلق بحالات التمييز وأنواعه ضد المهاجرين وأبنائهم في العمل.
توضح في مقابلة مع مجلة بيننا رئيسة جمعية (SOS Racismo Madrid: وهي جمعية تعمل في محاربة التمييز والعنصرية) سارة سارامي بوليكو أن التمييز ضد المهاجرين وأبناء المهاجرين في سوق العمل يتجلى بمجرد قراءة ألقابهم التي تختلف عن اللقب الأوروبي الأبيض: “إنه الحاجز الأول”.
تضيف: “هذا هو الفلتر الأول الذي يضعونه حتى لا نجد المهاجرين في أماكن خدمة الزبائن، في متاجر الملابس أو محلات السوبر ماركت وغيرها”. وتؤكد بأنه على الرغم من أن هذا المهاجر لديه نفس المهارات والقدرات التي يمتلكها الشخص الأبيض، إلا أن فرصه في الوصول للمقابلة ضعيفة. وتتابع أنه في حال تجاوز الحاجز الأول ووصل للمقابلة: “يكون لدى المسؤول عن الموارد البشرية مواضيع عنصرية وحول كراهية الأجانب، تمنع اختيار المهاجر الذي يمتلك نفس القدرات والمهارات، ثم يتم تبرير ذلك بأنه لم يتم اجتياز الاختبار”.
عاملات الخدمة المنزلية أكثر عرضة للاستغلال والتمييز
خلّصت محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي في فبراير 2022 إلى أن النظام الإسباني تمييزي لأنه لا يعترف بالحق في الحصول على إعانة البطالة للعاملين في خدمة المنازل الذين غالبيتهم من النساء، كما اعتبر المدعي العام للاتحاد الأوروبي أن نظام العمل لعاملات المنازل يتعارض مع قانون المجتمع لأنه ينطوي على تمييز غير مباشر على أساس الجنس. بينما في أكتوبر 2022 طرأ تغيير على ذلك وأصبح بإمكان عاملات الخدمة المساهمة في الضمان الاجتماعي والحصول على حق إعانة البطالة لكن لم تتمتع العاملات بنفس حقوق بقية العاملين، لأن الكثير منهنَ لا يمتلكن الأوراق النظامية، لذلك يضطررن للعمل بظروف استثنائية.
تطرح رئيسة جمعية (SOS Racismo) مثالاً عن الاستغلال بحق عاملات الخدمة المنزلية: “إذا كنت عاملة منزلية أحياناً يدفعون لي على الساعة أو بالأسود، فقط لأني من أصل مهاجر، حيث يعتقدون أنني لا أعرف حقوقي”، وتضيف أنه يمكن مخالفة هؤلاء العاملات بسبب عملهن دون علم الضمان الاجتماعي، مشيرة إلى أن رؤساء العمل الذين يمتلكون القوة ويوظفون، يتلاعبون بهذا، لا يصرّحون عن مسألة التسجيل في الضمان الاجتماعي أو العمل بعقد، وهذا ما يعتبر تقويض لحقوق العاملات.
من بين هؤلاء العاملات في الخدمة المنزلية كارولينا إلياس، سلفادورية تعيش في إسبانيا منذ 12 عاماً، ومحامية في بلدها الأصلي. وكانت تشغل منصب رئيسة جمعية الخدمة المنزلية المؤلفة من من النساء العاملات في الخدمة المنزلية، حيث التحقت بها منذ العام 2012 بعد تعرضها للتمييز العنصري في عملها بهذا المجال. تقول: “منذ وصولي لإسبانيا بدأت أعاني من كل ما هو تمييزي لأن لدي لون بشرة مختلف، وقبل كل شيء كان التمييز في العمل في الخدمة المنزلية وأعمال الرعاية”.
حصلت كارولينا على شهادة من جامعة “كومبلوتينسه” في مدريد لكن الوظيفة الوحيدة التي تمكّنت من إيجادها هي الخدمة المنزلية، “لكونك أجنبي على هذه الأرض فهذا يقودك إلى أسوأ الوظائف في أسوأ الظروف وإلى الضغط العالي وعدم التمتع بحياة كريمة” تقول المرأة مشيرة إلى أنها عانت من تمييز لكونها أجنبية وأيضاً من الإستغلال الجنسي.
تؤكد كارولينا : “هناك اضطهاد في طريقة العمل وتمييز واضح، حيث من يجب أن يتحمل هن المهاجرات، لأن النساء الإسبانيات لا يقبلن هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر. ولماذا تفعل المهاجرات ذلك؟ لأنهن ليس لديهن خيار آخر ولديهن حاجة ماسة لإرسال الأموال إلى عائلاتهن، ودفع الديون التي أتوا بها، وقبل كل شيء من أجل البقاء هنا في إسبانيا”.
تصل لجمعية الخدمة المنزلية التي كانت ترأسها كارولينا العديد الشكاوى من العاملات في هذا المجال، حيث يرفض أصحاب العمل منحهم أي إجازة ولا يعطونهم الإذن للذهاب للطبيب أو لأشياء من هذا القبيل، بل يطلبون منهم أن يكونوا شاكرين لأنهم يعملون بدون أوراق وبدون تسجيل في الضمان الاجتماعي، أي أنهم يبقون خارج المنافع الاجتماعية وبدون الميزات التي يتمتع بها العاملون.
تصف كارولينا هذا العمل بأنه عبودية العصر الحديث لأنه في هذه المهنة أن تعمل 24 ساعة في اليوم، ستة أو حتى سبعة أيام في الأسبوع. هذا الشخص الذي يعيش في نفس المكان الذي يعمل فيه لا يمكنه، وليس له الحق في تكوين أسرة أو رعاية أسرته أو وقت فراغ، لأنه لا يستطيع أن يترك العمل ويذهب ليتناول شيئاً ما في مقهى أو أن يذهب إلى السينما مثلاً.
زادت هذه العبودية الحديثة في السنوات الأخيرة، حيث وفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية فإن عدد الأشخاص الخاضعين للعبودية الحديثة ازداد بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية. في عام 2021 ، كان هناك 10 ملايين شخص أكثر في العبودية الحديثة مقارنة بالتقديرات العالمية في عام 2016. لا تزال النساء والأطفال عرضة للخطر بشكل غير متناسب.
تركت كارولينا إلياس مؤخراً جمعية الخدمة المنزلية، للدخول في عالم السياسة والترشح لحزب ماس مدريد بهدف القتال من أجل المهاجرين.
هل التبليغ يجدي نفعًا؟
ذهبت ميمونة ديراوي إلى الشرطة الوطنية لتقديم شكوى ضد إحدى المقاهي في مُرسية، بسبب رفض توظيفها لدوافع اعتبرتها تمييزية، حيث أخبرها مدير المقهى أن الزبائن لن يعجبهم أن تلبي طلباتهم فتاة محجبة، لكن الشرطة لم تقبل الشكوى، مبررين بأن ذلك المقهى هو قطاع خاص ومديره يحق له اتخاذ القرارات بالتوظيف أو الرفض. وفقًا للمادة 14 من الدستور الإسباني، لا يجوز ممارسة التمييز ضد أي شخص للأسباب كالتالية: “المولد أو العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي أو أي حالة أو ظروف شخصية أو اجتماعية أخرى”.
الوضع غير نظامي أي عدم امتلاك بطاقة الإقامة بالنسبة للمهاجرين والمهاجرات هو حاجز بينهم وبين تقديم الشكوى عند الشرطة بحالة تعرّضهم لتمييز أو استغلال واستغلال جنسي، وذلك بسبب خوفهم من أن تطردهم الشرطة إلى بلادهم فيما بعد بسبب إقامتهم بشكل غير قانوني، لذلك تضطر الكثير من المهاجرات على الصمت والتحمّل، كما في حالة كارولينا إلياس.
تبلّغ كارولينا أن العديد من زميلاتها العاملات في الخدمة المنزلية يرفضن تقديم الشكاوى لمعرفتهن المُسبقة أنهنَ لن يكنَ مسموعات من قبل الشرطة. تقول: “إذا لم يكن لدى إحدى الزميلات أوراق نظامية، فالشيء الأكثر احتمالاً هو أن يخبرها ضابط الشرطة لاحقًا أنه سيقدم ملف طرد بحقها، لأنها لا تملك أوراقاً، وقد حدث هذا في عدة حالات”. تصف إحدى تلك الحالات أن صاحب العمل ضرب إحدى النساء المهاجرات، وذهبت لتقديم شكوى لدى الشرطة والكدمات واضحة في وجهها، فقال لها أحد العاملين في مركز الشرطة أنهم سيفتحون لها ملف طرد، فهربت.
ومن جهتها تنصح بوليكو رئيسة جمعية SOS Racismo أولئك اللاتي يتعرضن للاستغلال أو التمييز بعدم الخوف أو التردد بتقديم شكوى أو التنديد بالمواقف التي يتعرضن لها وطلب المساعدة من الجمعيات أو المؤسسات المتخصصة في هذا المجال، كما تصف هذا الوضع بأنه “معقد” في الوقت ذاته.
لم تعاني كارولينا إلياس من تمييز فقط في العمل حيث عانت من هجمات عنصرية في الجمعية التي كانت ترأسها في بمدريد، حيث تم طمس الرسومات المتمثلة بنساء مهاجرات على جدران مقر الجمعية التي كانت تعمل بها.
أثناء إعداد هذا التقرير، ألقت الشرطة الوطنية القبض على “خلية إجرامية” في مدينة ملقة تتألف من 43 شخصًا متورطين باستغلال المهاجرين في العمل والتسوية الاحتيالية لأوضاع المهاجرين من خلال عقود مزوّرة. وفقًا لبيان الشرطة فإن الأشخاص الذين تم استغلالهم من قبل الخلية هم مواطنون مغاربة كانوا في وضع غير قانوني، مشيرة إلى أن الخلية استغلّت حاجتهم وعدم امتلاكهم إقامة وتصريح عمل وقامت بتشغيلهم بهويات مواطنين أجانب آخرين، أيضًا كانوا بوضع غير نظامي.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا