خلّفتْ الحرب في سوريا، منذ اندلاعها عام 2011، قرابة 7 مليون لاجئ حول العالم. فارين من تلك الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 350 ألف قتيل بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. منحتْ إسبانيا حقّ اللجوء في العام 2021 لأقلّ من 500 شخص من هؤلاء اللاجئين. غالبًا ما تكون العملية التي تؤدي إلى الحصول على وضع اللاجئ مُعقدة، بالإضافة إلى الظروف الصعبة التي يواجهونها، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، العنصرية، البيروقراطية…إلخ، وبشكل خاص أولئك الأشخاص غير الناطقين بلغة البلد المضيف.
التعقيدات والفروق الدقيقة في هذا الوضع هي ما أردنا معالجتها في هذه السلسلة من التقارير، التي نُفِّذت بالتعاون بين مجلة بيننا و La Marea وبدعم من المعهد الدولي للصحافة و NewsSpectrum. في سياق يبدو فيه أن خطاب الكراهية والعنصرية يكتسب وضوحًا، نقوم بتحليل صورة اللاجئين في وسائل الإعلام والرأي العام، لإظهار تناقضها مع تنوع الظروف والمسارات التي يعرضها اللاجئون.
على الرغم من تكرار مشاكل مماثلة في بعض الأحيان. هناك اثنان من أكثر الصعوبات المتكررة هي الصعوبات البيروقراطية لنظام اللجوء، والحواجز التي تظهر عند البحث عن وظيفة، والتي نتعامل معها في تقريرين. آخر يسلّط الضوء في نهاية التقرير: قصص رجال ونساء سوريين، على الرغم من كل شيء، تمكنوا من الخوض في المزالق وبناء حياة جديدة في إسبانيا بمشاريع متنوعة، علاوة على ذلك، في تسهيل الأمر على هؤلاء. الذين يواصلون الوصول بحثًا عن حياة غير مهددة بشكل مستمر.
متاهة الوصول إلى إسبانيا ورحلة البحث عن اللجوء مرة أخرى
منذ اندلاع الحرب في سوريا، لم تكن إسبانيا وجهة رئيسية لهؤلاء الأشخاص، لا كمهاجرين ولا كلاجئين، ولكن كانت الوجهة بلدان أوروبية أخرى، كان الأشخاص من أصل سوري حاضرين منذ أجيال في هذه البلدان. بينما بالنظر إلى استحالة الوصول إلى هذه البلدان، أصبحت إسبانيا أول جسر يحاولون عبوره.
وصلت نور الخطيب، شقيقة عبادة، إلى ألمانيا مع أطفالها مطلع عام 2019، وحصلت على حق اللجوء والإقامة خلال شهر واحد فقط. تمكنت من تعلم اللغة بسرعة، وفكرت في العودة إلى الدراسة واستكمال المرحلة الجامعية. وقد كان وضعها مختلف تمامًا عن وضع عبادة، الذي حاول أيضًا استئناف دراسته الجامعية عند وصوله إلى إسبانيا، لكنه قوبل بالإجابة بأن فترة دعم الدولة هي عام ونصف، وأنه لا يمكنه دخول أي تدريب. قد يتجاوز هذه المدة سواء كانت تدريبًا مهنيًا أو دراسات جامعية.
في ألمانيا، لم تكتفِ نور بفرصة دخول الجامعة من خلال الحصول على الرسوم الدراسية والإيجار ومصاريف المعيشة التي يغطيها الضمان الاجتماعي، بل كانت قادرة أيضًا على الوصول إلى فرص العمل المرتبطة بتخصصها من خلال مكاتب الضمان الاجتماعي. حتى وإن تمكنت من الوصول الى فرصة عمل، سيكون جميع نفقات معيشتها مغطاة بالتأمين. بالإضافة إلى ذلك عندما لا يُغطي الراتب الشهري كافة النفقات، سيكون بإمكانها التقدم لطلب المساعدة من مؤسسات الدولة الألمانية في لقضايا محددة مثل مصاريف رعاية الأطفال أو استئجار منزل.
تقول نور: “قارنت وضعي ورأيت أنه مختلف تماماً نظراً لما قاله لي شقيقي عبادة من إسبانيا، لقد اندهشت ولم أستطع أن أتخيل أن اللاجئ يمكن أن يعيش في هذه الظروف”. لذلك، عندما علمت أن شقيقها انتقل للعيش وطلب اللجوء في ألمانيا، تقول “لقد شعرت بسعادة كبيرة”: “خاصة وأن طفليّ يتمتعان بعلاقة جيدة معه، وكانت لدينا أوقاتًا جميلة في سوريا”. لكن ألمانيا رفضت منح الإقامة لعبادة الذي قرر العودة والاستقرار في إسبانيا، لكن هذه العودة لن تكون بهذه السهولة.
من المطابخ والأحياء: قصص نجاح السوريين
يوسف شحيبر وليان الأحمد شابان سوريان يبلغان من العمر 26 و 27 عامًا يعيشان في إسبانيا. حالهم كحال آلاف اللاجئين الشباب، أُجبروا على مغادرة بلادهم هربًا من حرب استمرت أكثر من عقد من الزمان. ولكي يحافظوا على حياتهم، خاضوا مغامرة الوصول إلى أوروبا بعد عبور البحر مرورا بتركيا ولبنان حتى وصلوا إلى مخيمات اللاجئين في اليونان. عمل ليان هناك كمترجم للغة العربية والإنجليزية، حيث التقى بناشطين إسبان، بفضلهم تعلّم المزيد عن ثقافة بلد انتهى به الأمر بأنه أحبه، كما يقول. وأما يوسف فقد عمل لمدة خمس سنوات في تركيا في مهنة خياطة الملابس، وقرر أخيرًا عبور البحر ليجرب حظه في اليونان، حيث أعيد توطينه منها في إسبانيا من خلال الأمم المتحدة في عام 2016. أخيرًا، تقاطعت طرقهم في هذا البلد، حيث التقوا.
كلاهما يشتركان في حب الأرض والمطبخ السوري والطرق التقليدية لتقديمه. لهذا السبب، عملوا أولاً في سرقسطة مع فرق تستقبل اللاجئين في جناح صغير حيث قاموا بإعداد أطباق محلية شهيرة في إحدى المبادرات التي تم إطلاقها لدعمهم. بعد جمع الأموال الكافية، قرروا إقامة مشروعهم الخاص في المدينة. قبل بضعة أشهر بدأوا في الحصول على تراخيص البلدية، ومن خلال جهودهم الخاصة وبدعم من مجموعة من الأصدقاء الإسبان، تمكنوا من استئجار مبنى وافتتاح مطعم سيريانا. وهكذا كانوا قادرين على بدء مشروع مختلف، “لا يصدق” ، بكلماتهم الخاصة.
وبما أنهما لا يستطيعان نسيان الأشخاص الذين تقاسموا معهم المأوى والطعام في المخيمات، فقد قررا تخصيص نسبة من أرباح مشروعهما لدعم اللاجئين. يقول يوسف: “لقد رأينا بأم أعيننا ما يعانيه اللاجئون في المخيمات اليونانية، لأننا عشنا هناك، لذلك قبل أن نبدأ المشروع وعدنا بالتبرع بنسبة 5٪ من الأرباح وتقديمها للاجئين”. إنهم يفعلون ذلك، ويؤكدون أنه في حالة زيادة العمل، سيزيدون هذه النسبة أيضًا.
لقراءة المزيد اضغط هنا
العمل والسكن، حلقة من المشاكل التي يعاني منها اللاجئون
كانت سارة العلي (المشار إليها بهذا الاسم المستعار لحماية هويتها) في سوريا معلمة لغة إنجليزية، على الرغم من أن تدريبها الجامعي مرتبط بالزراعة وعلوم الكمبيوتر. اليوم يستحيل عليها أن تجد عملاً في إسبانيا، على الرغم من أن لديها إقامة قانونية في البلاد ويصرح لها بالعمل. وتعد قضيتها نموذجية، وتمثل الوضع الذي يعيشه العديد من اللاجئين مثلها.
عاشت سارة الأم لطفلين والبالغة من العمر 34 عامًا حتى اندلاع الحرب، حياةً تصفها بالهادئة: “كانت حياتي مع زوجي قبل الحرب مستقرة. عشنا بسعادة، مهما كانت ظروف العمل صعبة في بعض الأحيان، لكن كان لدينا منزلنا الخاص”. عندما اندلعت المعارك في مدينتهم حلب واضطروا إلى مغادرة ذلك المنزل، وتلك الحياة والاستقرار، كانت وجهتهم الأولى هي تركيا، حيث وصلوا في أوائل عام 2013. “فقدنا كل شيء وتركنا كل شيء وراءنا. البدايات دائماً صعبة. في فترة قصيرة من الزمن، تمكنوا من الاندماج في المجتمع الجديد وتعلّم اللغة التركية”، كما تقول. وبعد التمكن من إجادة اللغة بشكل جيد، تمكنت سارة من العثور على وظيفة كمدرسة للغة العربية في أحد المدارس التركية، وأصبحت معيلة لأسرتها.
في عام 2018 توفي زوجها بسكتة دماغية. بالنسبة لسارة، كانت وفاته نقطة تحوّل في حياتها. وجدت نفسها وحيدة مع أطفالها في ذلك البلد التي تعتبر أجنبيةً فيه، مما أدى إلى صعوبات جديدة ومشاق جديدة في حياتها. وفي العام التالي حاولت التقدّم بطلب للحصول على الجنسية التركية – التي اعتقدت أنها سوف تتمكن من الحصول عليها بعد أن أمضت سبع سنوات في البلاد – تم رفضها. في المقابلة في ذلك اليوم، أبلغوها بحقّها في التقدّم بطلب للحصول على الحماية الدولية من خلال مفوضية شؤون اللاجئين. لقد فعلت ذلك، وبعد ثلاثة أشهر تلقت رسالة تبلغها بأن إسبانيا قبلت لجوئها. لم تكن تعرف شيئًا عنها: “فقط برشلونة وريال مدريد، لأن زوجي كان من مشجعي ريال مدريد”. عند وصولها إلى مدريد، أقامت سارة وطفلاها في أحد مراكز الاستقبال لمدة عام كامل. لكنها كانت نهاية عام 2019: بعد بضعة أشهر، مع أزمة COVID-19، أصبح كل شيء صعبًا. أصبح تعلم اللغة الإسبانية والبحث عن عمل تحديات شبه مستحيلة في تلك الظروف.
لقراءة المزيد اضغط هنا
اللاجئون السوريون المتميزون: طبقات من الكراهية
معاذ طعاني، 31 عامًا، أصبح صحفيًا أثناء الحرب في سوريا ليخبر العالم كيف يُقتل سكانها. عندما فقد الأمل في أن تساهم معلوماته في وقف الإبادة الجماعية وأن هناك فرصة للبقاء على قيد الحياة في بلاده، غادر مع أسرته، وبعد رحلة طويلة، وصل إلى إسبانيا في 20 مايو 2019. يذكر معاذ كيف أنه كان من أكبر الإهانات التي عانى منها أن المنظمة التي عينتها حكومة إسبانيا لإدارة المساعدة لعائلته – كونهم طالبي اللجوء – تتحكم في استخدام هذه الأموال التي كان يتلقاها. “لقد منعوني من إنفاق المساعدة التي أتلاقها كما أشاء، على سبيل المثال، عند شراء الشوكولاتة لابني. وفي أحد الأيام، اقتطعوا مبلغًا من المال من المخصصات الشهرية لشراء لعبة لطفلي منها”. كما شعر بالفزع عندما وجد أنه حُرم من حقه في استقبال الزوار في المنزل: “اعتبرته قمعًا وانتهاكًا للحريات الشخصية. يقول معاذ: “اعتقدت أنه يحق لي ممارسة حياتي الشخصية مثل أي مواطن إسباني، لاستقبال الأصدقاء والعائلة في منزلي. لماذا تم منعنا من ذلك؟ ألسنا جميعًا بشر؟”.
“العديد ممن يشعرون بالكراهية ليس لديهم أي علاقة بمهاجر أو لاجئ. لكن مشكلة هذه الخطابات أن لها تأثيراً أيديولوجياً ينتشر مثل بقعة الزيت. أولئك الذين يؤمنون بهم يعيدون تسليح أنفسهم بحجج جديدة لأن إحدى خصائص الكارهين هي عدم الشك مطلقًا والبدء من الحقائق المطلقة”، يضيف هذا المروج الفكري. ويحذر من أن “خطابات الكراهية تؤدي إلى ممارسات عنيفة”.
هذا ما وجده علاء الدين حمود في نهاية رحلته الطويلة والشاقة للوصول إلى إسبانيا. مر هذا الشاب القادم من مدينة جرابلس شمال سوريا خلال رحلة لجوئه، عبر تركيا وليبيا والجزائر والمغرب، حتى وصل إلى إسبانيا. استغرق الأمر أربع سنوات، حيث كان عليه العمل في كل دولة حتى يتمكن من دفع تكلفة عبور الحدود الجديدة، بالإضافة إلى العلاج الكيميائي الذي كانت والدته بحاجة لتلقيه في بلده.
يشرح علاء، بعد العديد من العقبات، حصل في عام 2020 على وظيفة في مخبز في مدريد. “كان مديري يهينني بأبشع العبارات. وصفني بالإرهابي، وأمسك من رقبتي وضغط عليّ، وأهان ديني. وأحيانًا كان يضع لحم الخنزير في طعامي ويقول لي إنه لحم خروف. أخبرني أصدقائي لاحقًا بذلك. لكن كان عليّ قبول كل ذلك بصمت لأنني كنت بحاجة إلى العمل“.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا