مسلمو مدريد دون مقابر لدفن موتاهم وسط تبادل اللوم بين الجهات المسؤولة
يجد مسلمو مدينة مدريد أنفسهم اليوم دون مقبرة خاصة بهم من أصل 300 مقبرة تنتشر في أنحاء المدينة لدفن موتاهم، بعد أن امتلأت مقبرة غرينيون، والتي تعد المقبرة الإسلامية الوحيدة في مدريد. السياسيون غير قادرين على ضمان هذا الحق الأساسي.
Youssef M. Ouled – Okba Mohammad
“الوضع محزن. حضرنا اليوم جنازة لمسلم لم يستطع الحصول على قبره الخاص به”، يأسف الشاب عبادة كريمة، أحد المشاركين في واحدة من أواخر عمليات الدفن في مقبرة غرينيون في العاصمة الإسبانية مدريد. كان هذا الدفن لشخص من أصل سوري، في القبر ذاته مع عدد من أقاربه المدفونين هناك، حيث تعتبر هذه الطريقة الوحيدة التي تقبل بها مقبرة غرينيون مدافن جديدة، منذ أن أُعلن في ديسمبر من العام الماضي أنها لم تعد تستوعب المزيد من عمليات الدفن.
قام كريمة مع مجموعة من الأشخاص بعد انتهاء الدفن، بجولة في المقبرة لتقييم وضعها، والدعاء من أجل موتاهم ومعرفة ما إذا كان هناك بالفعل مكان من الممكن الدفن فيه. بعد ذلك، اجتمعوا وتحدثوا منزعجين بشكل واضح من عدم وجود حل لهذه المشكلة، الأمر الذي يوضح عدم إيفاء الجهات المسؤولة بأبسط الحقوق الأساسية للسكان المسلمين: الحرية الدينية والحق في الحصول على دفن كريم دون تمييز لأسباب دينية، كما ينص القانون الإسباني.
من بين هؤلاء المسلمين ميسون دواس، وهي امرأة إسبانية من أصول مغربية، تعمل كمستشارة في حزب “ماس مدريد”، وفي مجلس المدينة. ودواس ناشطة في الدفاع عن حقوق السكان المسلمين. كما تقود مبادرة “من أجل دفن كريم”، لإعلام السكان المسلمين بضرورة المطالبة بحقهم كمواطنين من خلال جمع التواقيع وحضور النقاشات والاجتماعات الإعلامية في هذا السياق.
وضع يمكن معرفته مسبقًا
يُقدّر عدد المسلمين والمسلمات في إسبانيا قرابة 2.5 مليون، يوجد في مدريد فقط 300 ألف نسمة، منهم 100 ألف في العاصمة مدريد وحدها. وعلى الرغم من توجد عشرين مقبرة في جميع أنحاء المدينة، إلا أنه لا يمكن في الوقت الراهن للمسلمين بالدفن فيها وفق الطقوس الدينية المتبعة لديهم بعد أن امتلأت مقبرة غرينيون، المقبرة الإسلامية الوحيدة في مدريد.
وقالت دواس، الأسبوع الماضي خلال جلسة للمتحدث الرسمي للأمن وحالات الطوارئ: “يوجد الآن أكثر من 300 ألف شخص في مدريد لا يمتلكون أماكن لدفن موتاهم”. وأثناء الجلسة سأل فرناندو سانشيز غونثاليث، مدير شركة دور الجنائز التابعة لبلدية مدريد، عن موعد بدء الإجراءات الخاصة بأعمال التحضير في قطعة أرض كارابانشيل، المقترحة لتكون مقبرة جديدة للمسلمين، وعن إمكانية المباشرة بالدفن فيها.
ويأتي هذا في سياق قرار الأغلبية الصادر عن الجلسة العامة لبلدية مدريد في 20 يوليو 2022. بعد اقتراح تقدم به الحزب الاشتراكي الحاكم في مدريد (PSOE)، تم تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها 10000 متر مربع لهذا الغرض. إذ حصل اقتراح القانون على تصويت “ماس مدريد” والمجموعة المختلطة، بينما امتنع حزبي مواطنون والشعبي عن التصويت، ورفض اليمين المتطرف المقترح.
ومع مرور قرابة العام لم يحرز أي تقدم في تجهيز المقبرة، فيما تتقاذف الجهات المسؤولة فيما بينها تهم التقصير واللوم بعدم اتخاذ الخطوات الكافية لضمان مساحة تمكن المسلمين من دفن موتاهم.
ومن بين تلك الأطراف، المفوضية الإسلامية في إسبانيا (CIE)، وهي هيئة تمثيلية للطوائف الإسلامية الدينية أمام مؤسسات الدولة منذ توقيع اتفاقية التعاون مع الدولة الإسبانية (قانون 26/1992)، وأوضح أمين المفوضية محمد أجانا، في مقابلة صحفية مع “بيننا”، أنهم منذ العام 2016 يطالبون القادة السياسيين بتلبية هذه الحاجة.
ففي العام 2016، في عهد عمدة مدريد السابقة، مانويلا كارمينا، ظهر نقاش حول الحاجة إلى حل مشكلة دفن الموتى المسلمين ، وجرى النظر في التنازل عن قطعة أرض في المقبرة الجنوبية لمدريد الواقعة في منطقة كارابانشيل منذ ذلك الحين، وضع مجلس المدينة والمفوضية الإسلامية المفاوضات في أيدي دار الجنائز العامة التابعة للبلدية، وهي الشركة الخاصة بخدمات الجنازات والمقابر في مدريد، بعد سنوات من عدم التقدم في حل هذه المسألة، بالإضافة لوباء عالمي أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الوفيات، ساء الوضع، واستمر حتى عام 2022.
لا تعود المشكلة إلى عام 2016 فقط، ففي العام 2006، أثناء ولاية رويز غالاردون كرئيس للبلدية، تم بالفعل العمل على اتفاقية بين مجلس المدينة ورابطة العالم الإسلامي للمركز الثقافي الإسلامي مدريد، وفقًا لوثيقة، تمكنت “بيننا” من الاطلاع عليها، تتضمن في النقطة الأولى: “إن الغرض من بلدية مدينة مدريد (…) تعيين استخدام قطعة الأرض الواقعة في مقبرة كارابانشيل الجنوبية، مع منطقة تبلغ مساحتها 9.900 متر مربع، بحيث تشكل منطقة متباينة مخصصة حصريًا للدفن على الطريقة الإسلامية، والتي ستسمى المقبرة الإسلامية في مدريد”. وهذا يعني أنه لمدة 17 عامًا كان من المتوقع أن تبلغ مقبرة “غرينيون” الحد الأقصى، والحاجة إلى توفير مساحة جديدة للدفن وفقًا للطقوس الإسلامية.
مفاوضات عالقة
أكد قسم الاتصالات في شركة دور الجنائز في مدريد لبيننا أن “الاجتماعات مع المفوضية الإسلامية مستمرة في الوقت الحالي”. في الوقت ذاته أشارت اللجنة إلى أن آخر اتصال تم إجراؤه من جانبهم، وتم تقديمه من خلال رسالة تم إرسالها في يناير 2023، ومع ذلك، لم يتلقوا ردًا.
وفقًا للشركة، فإن المفاوضات متوقفة، والاقتراح الشامل المرسل إلى المفوضية في انتظار تحديد أبعاده. “نحن ننتظر الحصول على تقدير لمستوى القبور التي يمكن أن تكون في مقبرة كارابانشل الجنوبية. لا نمتلك هذه البيانات وهي ضرورية لتقدير الاحتياجات وتكييف خدماتنا”، تؤكد. بدوره يوضح أجانا أمين المفوضية أن هذه المعلومات قد تم إرسالها بالفعل في آذار 2021. “هناك تقدير لـ 100 حالة وفاة سنويًا”، مشيرًا إلى أن “هذه البيانات يمكن طلبها مباشرة من مجلس مدينة “غرينيون” أو من منزل الجنازة الذي يعمل هناك”.
هذا الرقم بعيد جدًا عن الاقتراح الذي قدمته دواس في الجلسة، والذي تم إعداده مع مجموعات أخرى متأثرة بسبب هذه المشكلة. أحد أبعاد مشروع مقبرة “كارابانشيل” هو أن تستوعب بما يصل إلى 1500 حالة وفاة سنويًا، وهو عدد تم استخراجه بناءً على بيانات الوفيات في المدينة. دوّاس تضيف أيضًا أنه “لا يشعر الجميع بالراحة في دفن أقاربهم في “غرينيون”، فهي مقبرة عسكرية أقيمت للحرس المغاربي الذي كان يقاتل إلى جانب الديكتاتور فرانكو في ذلك الوقت”. بالنسبة للمستشارة، الأمر لا يتعلق بنقص المعلومات، بل هو نقص في الاهتمام والإرادة السياسية.
افتقرت الموافقة التي جرت عام 2022 على اقتراح تجهيز قطعة أرض لإنشاء المقبرة، إلى مسألتين أساسيتين: تحديد التواريخ وتخصيص الميزانية. “هذا لم يتم معالجته”، تشير المفوضية إلى أن شركة دور الجنائز لن تتحرّك دون ميزانية تاريخ بدء. السبب الذي من أجله يحدث فروق عميقة في نهج المشروع بين المفوضية والشركة بشكل أساسي هو عبء حوالي ثلاثة آلاف يورو لخدمات الشركة التي قد تتحملها أسرة أو أقارب المتوفى. يوضح أمين المفوضية: “إنهم يسعون إلى استرداد الاستثمار الأولي، لكن هذا السيناريو غير ممكن بالنسبة للمجتمع المسلم الذي لا يستطيع تحمل ذلك”. مشيراً إلى أن عملية إعادة جثة المتوفى إلى بلده الأصلي سيكون لها نفس التكلفة، وبالتالي فهي ليست حلاً.
من جانبها، أشارت شركة دور الجنائز إلى أنها “تتلقى طلبات قليلة جداً للدفن على الطريقة الإسلامية”. شيء ما في الواقع قد يكون أكثر ارتباطاً بغياب مقبرة للسكان المسلمين في مدريد، والتي تضطر في كثير من الحالات إلى البحث عن مقابر خاصة في مجتمعات أخرى تتمتع بالحكم الذاتي في الدولة الإسبانية، حيث لا تقبل المقابر العامة إلا دفن الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة ذاتها. الطريق الآخر المتبقي هو إعادة جثثهم إلى بلدانهم الأصلية.
تعلّق دواس: “عملية الإعادة إلى بلد الأصل هي معاناة، فعندما يكون لدى أسرة المتوفى المال، يتعين عليهم العثور على الطائرة التي ستقوم بالإعادة إلى الوطن، وعندما لا يكون هناك عدد كاف من الجثث، يتأخر الدفن”. في كثير من الأحيان يتم إعادة الأشخاص الذين لم تطأ أقدامهم بلد والديهم إلى وطنهم على الرغم من أنهم ولدوا هنا. وتختم: “على ما يبدو عندما يموت شخص مسلم ولد في إسبانيا، فإنه يفقد جنسيته، لأنه يتم إرساله إلى بلد آخر، ليس بالضرورة أن يكون هذا البلد بلده، فمن سيزوره هناك؟”.
بعد عدة محاولات للتواصل من قبل “بيننا” مع الحكومة الإسبانية للتعليق على هذا الموضوع، أعادت الحكومة توجيه الأسئلة إلى وزير الدولة للذاكرة الديمقراطية ومؤسسة التعددية والتعايش، والتي حتى وقت نشر هذا المقال، لم ترد على الأسئلة وطلبات المعلومات المتعلقة بهذه المسألة.
يعد وجود مكان مخصص لدفن المسلمين حقًا مدنيًا معترفًا به قبل اتفاقيات التعاون بين الدولة الإسبانية والمفوضية الإسلامية بوقت طويل، حيث تم تضمينه في القانون 49/1978 المؤرخ 3 نوفمبر، بشأن الدفن في مقابر البلدية، القانون الأساسي 7/1980 بشأن الحرية الدينية، والقانون 7/1985 المؤرخ 2 أبريل، بشأن تنظيم أسس النظام المحلي. الدور الذي يجب أن تلعبه مؤسسات الدولة في تحقيق هذا الحق تقوم به الآن الجمعيات الإسلامية التي تلجأ إلى صناديق التضامن من خلال أشكال مختلفة لجمع الأموال لتتمكن من تغطية التكاليف المالية للدفن والإعادة إلى الوطن. دفع مزدوج، لأن الضرائب الخاصة بك تمول بالفعل العديد من هذه الخدمات. ولكن حتى عندما ينظم السكان أنفسهم للتغلب على إهمال مؤسسات الدولة، تظل المشكلة المركزية قائمة: صعوبة إيجاد مكان لدفن أحبائهم.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا