fbpx
الرئيسيةحقوقدولي

“من هو قبطان الزورق الخشبي؟”، السؤال وراء تزايد عدد المهاجرين في السجون الإسبانية

يُخفي وصول الزوارق إلى جزر الكناري حقيقة مجهولة: اعتقال وإدانة المهاجرين المتهمين بأنهم قادة هذه القوارب. تحاول السلطات الإسبانية ثني أولئك الذين يرغبون في الهجرة إلى أوروبا عن طريق محاكمات لا تتضمن سوى القليل من الضمانات الإجرائية والأحكام النموذجية.

Isabella Carril-Zerpa – Ngone Ndiaye (Fundación porCausa)

كان خالد صيادًا في موطنه الأصلي، مبور جنوب السنغال. تفاقمت ظروف عمله بسبب وصول سفن الصيد الكبيرة. يتذكر قائلًا: “لم يكن البحر به أسماك”. في أحد الأيام قرر الشروع برحلته إلى أوروبا. في نوفمبر / تشرين الثاني 2020، ودون إخطار عائلته، أخذ 600 يورو كان قد ادخرها بعد سنوات من العمل، واستقل زورقًا متجهًا إلى جزر الكناري الإسبانية. ما حدث له بعد ذلك غيّر حياته إلى الأبد.

يتذكر هذا الشاب الذي يحبّ الرياضة أنه خلال تسعة أيام من العبور كان عليهم مواجهة الأمواج القاسية. أمسك دفّة القارب في محاولة منه لتثبيت مساره لبضع لحظات. يوضح: “لإنقاذ حياتي وحياة الآخرين”. عند وصوله إلى تينيريفي (إحدى جزر الكناري)، تم القبض عليه واتُهم بأنّه قبطان القارب. أمضى سنة ونصف في الحبس. بالكاد كان لديه أي اتصال مع محاميه العام، الذي نصحه بالاعتراف بالذنب والتوقيع على اتفاق. أخبره المحامي أنه ليس لديه خيار آخر، ووعده بأن توقيعه سيُخفض عقوبته. يبلغ خالد الآن 27 سنة، استمع لكلام محاميه. يقول: “قالوا لي إنني لن أقضي سوى ستة أشهر أخرى في السجن، لكن كان كل ذلك كذبًا، قضيت ثلاث سنوات وأنا بريء، ثلاث سنوات دون ذنب”.

ما عاشه خالد (اسم مستعار) ليس حالة نادرة أو غير متكررة. منذ عام 2018، تم مقاضاة أكثر من 300 شاب أفريقي في المحاكم في جزر الكناري، بتهمة تنظيم أو قيادة قوارب المهاجرين. المحامون والمدعون العامون والقضاة وضباط الشرطة، بالإضافة إلى مصادر لها إطّلاع على أوضاع السجون، كشفوا عن قائمة واسعة من العيوب في الإجراءات القضائية التي تنتهي بملء السجون الإسبانية بشباب من المحتمل أنهم أبرياء. تتعمق هذه التحقيقات في حالة ستة شبان من غامبيا والسنغال وساحل العاج الذين خضعوا للمحاكمة، وفي العديد من الحالات، سُجنوا دون أدلة أو شهود ضدهم، أو بشهود تعرضوا للضغط. هؤلاء الشباب يؤكدون براءتهم، العديد منهم يزعمون أنهم تعرضوا لضغوط لقبول عقوبات غير متناسبة دون أن يفهموا الآثار القانونية لذلك. يؤكد آخرون أنهم خُدعوا ولم يحصلوا على حق الدفاع الحقيقي. يطالب الجميع بالحفاظ على سرية هوياتهم. مصادر من النيابة العامة الكنارية توضح أن هذه العقوبات لا تهدف إلى تحقيق العدالة، بل إلى أن تكون “عقوبات نموذجية” لردع شباب آخرين لديهم طموحات بالوصول إلى الأراضي الأوروبية.

اتفاقيات الامتثال مثل تلك التي وقعها خالد هي ممارسة شائعة في محاكمات المهاجرين الأفارقة المتهمين بتسهيل الهجرة غير النظامية. وقد انتقد العديد من المحامين هذا الإجراء علنًا. 75% من الشباب الذين يواجهون مواقف مشابهة لحالة هذا الشاب يستسلمون للضغوط ويوقعون الاتفاق ويعترفون بالذنب. ومع ذلك، تمت تبرئة أكثر من (53%) من أولئك الذين رفضوا الاتفاق وقرروا الخضوع للمحاكمة في نهاية المطاف. هذا ما تؤكده البيانات التي جمعها على مر السنين المحامي دانييل أرنسيبيا، خبير في قضايا الهجرة. وقد تمكن هذا التحقيق من الوصول إلى أكثر من 500 ملف قضائي جمعها وحللها هذا المحامي من جزر الكناري.

سلسلة أخطاء في الأحكام في إدانة المهاجرين

في غرفة صغيرة داخل محكمة بإقليم تينيريفي، يجلس قاضيان خلف طاولة طويلة تعمل كمحكمة. على جانب، يجلس المدعي العام، وعلى الجانب الآخر محامي الدفاع. أمامهم يقف ل.ن.، شاب من غامبيا، وبجانبه مترجم يتحدث لغة الولوف. إنه الأسبوع الأول من شهر يوليو، ولكن الغرفة تفتقر إلى النوافذ، والهواء خانق بفعل الحرارة والرطوبة. هذا الشاب متهم بتسهيل الهجرة غير النظامية، ويواجه عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.

تسير المحاكمة بوتيرة عادية وواضحة. يبدأ القاضي بكشف التهم الموجهة إلى للشاب من غامبيا، ثم يتحدث محامي الدفاع مستعرضًا المخالفات التي شابت القضية المرفوعة ضد الشاب، مطالبًا بإلغاء الإجراءات التي اتخذتها الشرطة. في هذه الأثناء، يبدو أحد القضاة غير مبالٍ بما يجري، مثبتًا نظره على هاتفه المغطى بغطاء أزرق فيروزي لافت للنظر.

وأخيرًا، تمت تبرئة ل.ن. من جميع التُهم المنسوبة له، لكن الأشهر الثلاثة التي قضاها في الحبس الاحتياطي تركت آثارًا واضحة عليه. تلك الفترة غيرتْ حياته، تاركةً بصمات نفسية لا تُمحى.

يُعد الحبس الوقائي حلقة رئيسية في سلسلة المظالم التي تؤدي إلى سجن العديد من المهاجرين الشباب. تتفق الشهادات التي جمعها هذا التحقيق على أنه عندما يكون هؤلاء الشباب خلف القضبان، معزولين في بيئة لا يفهمون لغتها، تحت وطأة حالة عدم اليقين، فإن الشيء الوحيد الذي يتطلعون إليه هو استعادة حريتهم في أسرع وقت ممكن، حتى لو تطلب الأمر الاعتراف بالذنب وهم أبرياء.

أحد أفضل الأشخاص معرفة بهذه الديناميكية هي لويلا ندياي، المحامية التي تمارس عملها في جزر الكناري والمتخصص في قضايا الهجرة والقانون الجنائي. توضح ندياي أن السجن المؤقت “يُعتبر بمثابة حكم مُبكر”. وتضيف: “النتيجة هي أن الشخص يخبرني أن الأمر لا يهم، فهو يريد فقط التسوية، لأنه كلما أسرع في ذلك، كلما بدأ في سداد عقوبته بشكل أسرع”.

المحاكمات ضد هؤلاء الشباب تسير ببطء شديد. تعاني سجون جزر الكناري من مشكلة الاكتظاظ، مما يفاقم العزلة التي يعاني منها المهاجرون المحتجزون هناك. إلى جانب نقص الموظفين في السجون، يؤدي هذا الوضع إلى فترات انتظار طويلة عندما يحاول هؤلاء الشباب التواصل مع محاميهم أو أفراد أسرهم. المصدر نفسه الذي يقدم هذه المعلومات يشير إلى عوائق أخرى تزيد من تفاقم عزلة هؤلاء المهاجرين. على سبيل المثال، يجب على النزلاء تقديم عقد هاتف للشخص الذي يريدون الاتصال به، وهو أمر يصعب تحقيقه أحيانًا للشبان الأفارقة، لأن عائلاتهم غالبًا ما تعيش في مناطق نائية ولا يمكنها التواصل إلا عبر تطبيق WhatsApp.

تؤكد المحامية سارة رودريغيز أن الوضع تفاقم في الآونة الأخيرة. إذا أراد السجين تغيير محاميه أو ممثله القانوني، فعليه تقديم طلب رسمي. ومع ذلك، وبسبب الاكتظاظ في السجون، غالبًا ما تتأخر معالجة هذه الطلبات بشكل كبير. من جانبها، تؤكد الأمانة العامة للمؤسسات العقابية أن العاملين في السجون يقومون بتقييم حالات الضعف ويتعاونون مع كيانات القطاع الثالث لضمان قدرة المحتجزين على التواصل مع العالم الخارجي.

تبدأ سلسلة الإخفاقات منذ اللحظة الأولى لوصول المهاجرين، في الزمان والمكان. بمجرد وصول الكايوكو (قارب المهاجرين)، ينص القانون على أنه يمكن للشرطة الوطنية احتجاز الوافدين الجدد لمدة أقصاها 72 ساعة داخل مركز الاحتجاز المؤقت للأجانب (CATE)، قبل عرضهم على المحكمة أو إرسالهم إلى مركز احتجاز الأجانب (CIE). خلال هذه الفترة، تستجوب الشرطة وعملاء فرونتكس المهاجرين بشكل منهجي، وغالبًا دون حضور محامين أو مترجمين، وذلك بهدف التعرف على المسؤولين المزعومين عن القارب.

وقد أدان أمين المظالم مرارًا وتكرارًا هذه الإجراءات بسبب افتقارها للضمانات القانونية التي تضمن حقوق المهاجرين، ما يضع هؤلاء الأفراد في موقف ضعيف ويعزز احتمالية وقوع تجاوزات قانونية بحقهم.

وصول قوارب إلى ميناء لوس كريستيانوس في جزيرة تينيريفي، إلى الجانب وفي نفس الوقت يظهر سياح يتجهون للغوص. — نغوني ندياي

تحصل الشرطة على شهادات من المهاجرين أثناء المقابلات التي تُجرى في غياب المحامين؛ وكما توضح المحامية لويلا ندياي : “لا نعرف ما قيل، ولا كيف قيل، أو تحت أي ظروف. هناك دائمًا سعي للعثور على شخص يُعتبر المسؤول، ولمعاقبته جنائيًا، يحتاج الآخرون إلى الإشارة إليه، إنه أمر مذهل لا يمكن تحقيقه بهذه الطريقة”. هذه الشهادات، التي يتم الحصول عليها في ظروف غامضة وغير مضمونة، تُستخدم لاحقًا لإلقاء المسؤولية على شخص معين، مما يعزز الظلم الذي يعانيه المهاجرون في هذه المواقف.

يتذكر آي.أو.، من ساحل العاج، أن أحد عملاء وكالة فرونتكس اقترب منه متذرعًا بتسهيل البحث عن المفقودين. تم إنقاذ الشاب مع ابنته بعد 17 يومًا من المعاناة في عرض البحر، بينما فقد زوجته وابنته الأخرى خلال الرحلة. لاحظ آي.أو. أن العميل الأوروبي كان يحمل هاتفين محمولين مألوفين له: هاتفه وهاتف زوجته المتوفية. يتذكر قائلاً: “أخبرني أنه يريد طرح أسئلة حول الرحلة لجعل البحث عن المفقودين أسهل”. لكن بعد ساعات، تحولت المحادثة إلى مسار مختلف. يقول: “كان علي أن أُشير إلى هوية قبطان السفينة، وإلا كانوا سيفصلونني عن ابنتي. هكذا بدأوا في الضغط علي”.

يتذكر الشاب أنه غادر المكتب دون طلب الإذن، وعندما نظر إلى اليمين رأى جميع محتويات هاتفه المحمول التي تم تنزيلها على الشاشة. في تلك اللحظة، أدرك أن إجاباته ستُستخدم لاتهامه بأنه قبطان القارب. وتؤكد وكالة فرونتكس أنها تتبع بروتوكولًا صارمًا للوصول إلى الهواتف المحمولة، موضحةً أن الهدف من استجواباتها هو الحصول على معلومات حول طرق الهجرة. وتدّعي الوكالة أن المقابلات التي أُجريت خلال الـ 72 ساعة الأولى كانت طوعية تمامًا ودون كشف هويات أصحابها. من جانبها، لم ترد الشرطة الوطنية على الأسئلة التي طرحها هذا التحقيق.

توصلت الوحدة المركزية لشبكات الهجرة والتزييف الوثائقي (UCRIF) التابعة للشرطة الوطنية إلى أن التسجيلات الصوتية من هاتف آي.أو لا علاقة لها بالتهم الموجهة إليه، والتي تتعلق بتسهيل الهجرة غير النظامية. ومع ذلك، لا يزال الشاب الإيفواري ينتظر صدور حكم المحكمة، ويعيش في خوف دائم من السجن. حتى يتم النطق بالحكم، لن يتمكن آي.أو من بدء إجراءات الحصول على تصريح الإقامة. الشاهد الوحيد الذي أدلى بشهادته في المحكمة، بناءً على طلب مكتب المدعي العام، أنكر أن آي.أو كان قبطان السفينة، وفقًا لما ورد في أمر المحكمة.

يؤكد المهاجرون الشباب الذين تمت مقابلتهم في هذا التحقيق، إلى جانب محاميهم وعدة مصادر قضائية، أن المحاكم تميل غالبًا إلى قبول الأدلة التي تدعم الاتهام فقط، متجاهلةً الأدلة التي تثبت البراءة. عندما يكون المتهمون من المهاجرين الشباب القادمين من أفريقيا، يصبح الحق في الدفاع، وهو مبدأ أساسي في القانون الجنائي، وكذلك افتراض البراءة، موضع شك. هذا التحيّز يجعلهم أكثر عرضة للإدانة دون منحهم فرصة عادلة لإثبات براءتهم.

يؤكد خالد الشاب الذي بدأ به هذا التقرير، أنه عايش كل تلك التحيزات خلال المحاكمة التي أدانته وأدخلته السجن. اتهمه مكتب المدعي العام بتسهيل الهجرة غير النظامية، واستدعى خمسة شهود. أربعة منهم شهدوا بأنه لم يكن قائد القارب، بينما أشار الخامس، وهو شاب من مالي، إلى أنه رأى خالد يتولى القيادة خلال الرحلة. ومع ذلك، تجاهل مكتب المدعي العام جميع شهادات البراءة وأخذ في الاعتبار فقط شهادة الإدانة الأخيرة، مما أدى إلى إدانته.

في إسبانيا، يعاقب على “تشجيع الهجرة غير النظامية” بالسجن لمدة تتراوح بين أربع وثماني سنوات، وذلك وفقًا للمادة 318 من قانون العقوبات. ينص التشريع على إمكانية تخفيف العقوبة في حالات معينة، مثل عدم وجود دافع للربح أو وجود أسباب إنسانية. ومع ذلك، توضح المحامية لويلا ندياي أن العدالة في جزر الكناري تكون “أكثر صرامة وشدة. ونحن نعرف ذلك، ونعلم أن أولئك الذين يستفيدون فعليًا من حياة المهاجرين لا يأتون على متن القوارب، ولا يخاطرون بحياتهم”.

تشرح تيسيدا غارسيا غارسيا، المدعية العامة المسؤولة عن قضايا الهجرة على المستوى الإقليمي، بأن العقوبات التي يطلبها مكتب المدعي العام تعتمد على خطورة الجريمة. وتوضح أن النوع الفرعي المخفف من العقوبة يتم تطبيقه فقط عندما تتوافر أدلة كافية تبرر ذلك. كما تؤكد أن جمع الأدلة من الشهود يتم وفقًا لجميع الضمانات القانونية المعمول بها، مما يضمن الالتزام بالإجراءات القضائية المطلوبة. ومع ذلك، تبقى الانتقادات قائمة حول تطبيق هذه الضمانات بشكل متساوٍ في جميع الحالات، خاصةً في محاكمات المهاجرين.

في جزر الكناري، لا ينطبق النوع الفرعي المخفف إلا عندما يقبل المتهم اتفاقًا مع مكتب المدعي العام. وإذا قرر المهاجر المثول أمام المحكمة للدفاع عن براءته، فإن مكتب المدعي العام يطالب بعقوبات تصل إلى ثماني سنوات في السجن. وفي إجراءات مماثلة في مناطق إسبانية أخرى، يطلب مكتب المدعي العام السجن لمدة تتراوح بين سنتين وأربع سنوات. وفي جزر الكناري، تكون العقوبات أعلى حتى عند تطبيق النوع الفرعي المخفف، كما هو موضح في قاعدة البيانات التي أعدها المحامي دانييل أرينسيبيا. وفي المجتمعات الأخرى المتمتعة بالحكم الذاتي، لا تعني أحكام السجن لمدة تقل عن عامين ضد مرتكبي الجرائم غير المتكررة السجن، لكن مكتب المدعي العام الكناري يطلب السجن لمدة ثلاث سنوات على الأقل. وهي أحكام “نموذجية”، بحسب مصدر بارز في مكتب المدعي العام الكناري. 

يشكل حاجز اللغة عائقًا كبيرًا يضر بالشباب الأفارقة ويزيد من فرص إدانتهم بجرائم لم يرتكبوها. يؤكد المحامون والضحايا أن هناك علاقة وثيقة بين بعض المترجمين وضباط الشرطة، مما يؤدي في بعض الحالات إلى استغلال هذا الحاجز اللغوي للضغط على المهاجرين. يُدعى أن هؤلاء المترجمين، بدلاً من تقديم ترجمة نزيهة، يدفعون أحيانًا المهاجرين لاختلاق كبش فداء، أو حتى يجبرونهم على تجريم أنفسهم. هذا الوضع يزيد من عدم المساواة في الحصول على العدالة ويترك المهاجرين عرضة لسوء المعاملة القضائية.

يتذكر خالد الذي حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، أن مترجمته آوا ندياي نصحته بالتزام الصمت طوال فترة التحقيق. يقول: “أعلم أنني لو قلت إنني لم أكن القائد في ذلك اليوم، لكانوا قد أطلقوا سراحي، لكنني وثقت بها”. ويدعي مهاجر سنغالي آخر، م.ن.، البالغ من العمر 39 عامًا، أنه تعرض لتجربة مشابهة مع نفس المترجمة. ويعبرآي.أو الشاب الإيفواري الذي تعامل أيضًا مع آوا ندياي، عن شعور مماثل، قائلاً إنها طلبت منه التزام الصمت أيضًا. يقول: “شعرت أنها لم تترجم فقط، بل مارست ضغوطًا عليّ؛ أخبرتني أنه إذا لم أشير إلى القبطان، فسوف يتهمونني”. ويتذكر أن ضابط الشرطة كان قد انتهى من التحدث، لكنها استمرت في قول أشياء. التقى هؤلاء الشباب بمهاجرين آخرين في السجن واجهوا مشكلات مماثلة مع المترجمة آوا ندياي.

المهاجر م.ن. يبيع حقائب مصنوعة يدويًا من علب الحليب على شاطئ لوس كريستيانوس، أمام الميناء الذي وصل إليه عن طريق زورق صغير.

آوا ندياي ليست مجرد مترجمة شفوية، هي شخصية بارزة في الجزر ومعروفة في المحاكم ومراكز الشرطة في جزر الكناري. وقد تم تكريمها من قبل الشرطة الوطنية “لتعاونها النشط” مع هذه المؤسسة. وخلال مقابلة في كافتيريا بالقرب من مركز شرطة أديجي، اعترفت هذه المرأة السنغالية ورئيسة جمعية ديابو السنغالية في تينيريفي، بأنها “محبوبة الشرطة” رغم أنها تنفي الاتهامات الموجهة إليها. وتقول: “إنهم [المهاجرون] يعتقدون أنه لأنني سنغالية يجب أن أكون إلى جانبهم، لكن لا، أنا إلى جانب العدالة”.

معاناة العائلات على الطرف المقابل من الشاطئ 

في عمر 14 عامًا م.ك. كان يحلم بإنهاء دراسته في أوروبا. تم رفض جميع طلباته للحصول على تأشيرة طالب. عندها، قرر، دون إخطار عائلته، ركوب الزورق. وفي اليوم الثالث اخترقت المياه ودمرت الأمواج القوية جزءًا من القارب الذي بدأ بالغرق. اعترضتهم السلطات المغربية وأجبرته على السير إلى الصحراء الغربية الواقعة تحت السيطرة المغربية، حيث عمل لمدة عام تقريبًا في مصنع للأسماك. وتمكن بمساعدة والديه من جمع 900 يورو حتى تمكن ركوب زورق آخر لأجل المحاولة الثانية.

الشاطئ الذي كان يصطاد فيه م.ك. في بعض الأحيان، في السنغال.

وصل هذا الشاب إلى جزيرة فويرتيفنتورا وعمره 16 عامًا في العام 2023. وخلال الرحلة، قام رجلان بابتزازه وطلبا منه المال تحت التهديد باتهامه بأنه قبطان القارب. م.ك. لم يستسلم للابتزاز وفور وصوله اتهم بأنه القبطان وأُرسل إلى السجن المؤقت. ولم تعترف السلطات به كقاصر.

بقي مسجوناً لمدة ثلاثة أشهر، لم يستطع خلالها إخطار عائلته بأنه على قيد الحياة. في جوال فاديوث، وهي بلدة هادئة تقع على ما يسمى بـ “الساحل السنغالي الصغير”، تعيش عائلة م.ك. تخلصوا من عذاب تلك الأيام وعلموا أن الشاب لم يمت بفضل المساعدة السرية التي قدمها مسؤول إسباني. حاليًا يواجه الشاب عقوبة محتملة بالسجن تتراوح بين أربع وخمس سنوات، في اتهام يستند فقط إلى شهادة الرجلين اللذين ابتزاه على متن  القارب.

مجموعة من الناس ينتظرون لطلب موعد في السفارة والحصول على التأشيرة. — نغوني ندياي

كما يشكل سجن المهاجرين الشباب في إسبانيا انتكاسة شديدة لأسرهم، حيث تؤثر العزلة على صحتهم النفسية بشكل كبير. في بيروم، وهي مستوطنة صغيرة في وسط السنغال، تجتمع عائلة خالد في غرفة واحدة لتبادل الأخبار. الوصول إلى هذه المنطقة يتطلب المرور عبر متاهة من الطرق الترابية التي تصبح غير سالكة عند هطول الأمطار، وبدون كهرباء أو مياه جارية. تعاني المستوطنة من صعوبات هذا الانعزال، مما يزيد من حدة التحديات التي تواجه العائلة أثناء انتظارهم لخروج ابنهم من السجن.

مدخل Koungheul، المدينة الأقرب إلى بلدة خالد — نغوني ندياي

دقت عائلة خالد ناقوس الخطر عندما لاحظوا غيابه المفاجئ وعدم عودته إلى جامو، الليلة التي يُحتفل فيها بمولد النبي محمد. لم يكن أحد يعلم أنه قد بدأ رحلته إلى أوروبا، وهو ما جعل الأشهر الستة الأولى بعد رحيله مليئة بالقلق وعدم اليقين. على الرغم من وصوله بسلام إلى جزر الكناري، إلا الشاب لم يكن لديه وسيلة للتواصل مع عائلته. وفي أحد الأيام، أعاره أحد مسؤولي سجن تينيريفي الثاني في جزر الكناري هاتفه المحمول، وتمكن أخيرًا من الاتصال بشقيقه.

بعد إدانته، تم نقل الشاب إلى سجن توباس في سلامنكا حيث قضى بقية مدة عقوبته. وعلى الرغم من كل ما مر به، لا يزال خالد يصر على براءته. يعيش حاليًا في تينيريفي ويعمل بوابًا بدون عقد رسمي، محاولًا إعادة بناء حياته بعد سنوات من السجن والبعد عن عائلته.

عائلة هذا الشاب التي لا تزال تعيش في السنغال، تعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية التي يرسلها لهم من إسبانيا. خلال فترة سجنه، لم يتمكن من إرسال أي مساعدة مالية لعائلته، مما زاد من صعوبة الوضع عليهم. لكن بعد الإفراج عنه وبدء العمل، بدأ بإرسال الأموال بانتظام، مما يخفف عنهم أعباء الحياة. والديه يصفانه بفخر كشاب مجتهد، يعمل بجد من أجل دعم عائلته.

مع ذلك، بالنسبة لخالد، فإن العملية لم تنته بعد. رغم خروجه من السجن، لا يزال يواجه عقبات قانونية تحول دون تقدم حياته. يقول بمرارة: “قضيت ثلاث سنوات في السجن، دون أن أكون مذنباً. ثلاث سنوات، والآن خرجت، ولا يمكنني حتى التقدم بطلب للحصول على الإقامة بسبب السجل الجنائي. إنها مأساة”.

تم إجراء هذا البحث بدعم من مركز بوليتزر.

كاتب

  • baynana

    Baynana es un medio online bilingüe -en árabe y español- que apuesta por el periodismo social y de servicio público. Nuestra revista aspira a ofrecer información de utilidad a la comunidad arabófona en España y, al mismo tiempo, tender puentes entre las personas migrantes, refugiadas y españolas de origen extranjero, y el resto de la población.

    View all posts
Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا

baynana

Baynana es un medio online bilingüe -en árabe y español- que apuesta por el periodismo social y de servicio público. Nuestra revista aspira a ofrecer información de utilidad a la comunidad arabófona en España y, al mismo tiempo, tender puentes entre las personas migrantes, refugiadas y españolas de origen extranjero, y el resto de la población.
زر الذهاب إلى الأعلى