fbpx
الرئيسيةتاريخ وثقافةتقارير

صابون الغار: حرفة تقليديّة سوريّة في مواجهة التحديات

رغم كلّ ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية في منطقة شمال سوريا، يستمر الحرفيون في إنتاج صابون الغار الطبيعي، الذي يتمتع بشعبية كبيرة عالمياً، والنسبة الأكبر ممّا يصنعونه يتم تصديره.

بين التلال المحيطة بمدينة إدلب في منطقة شمال غرب سوريا، تقودك الرائحة التي تعبق بالمكان إلى معمل الصابون الخاصّ بحمزة صناع (47 عاماً). تختبئ المصبنة بين أشجار الزيتون المُعمّرة التي تُغذّي هذه الصناعة التقليدية المُتوارثة عبر الأجيال. بدأ جد حمزة بالعمل في ذات المكان منذ العام 1920. تروي الجدران القديمة والسقف الأسود داخل المصنع، تاريخاً طويلاً لهذه الحرفة التراثية. يقول حمزة بينما يعمل بيده: “ما أزال أستخدم أقدم عملية تصنيع صابون غار يدوياً بشكل كامل، للحفاظ على فوائده الطبيعية”.

أقدم ذكر لصناعة صابون الغار وُجِد في ألواح طينية بمدينة إيبلا في منطقة شمال غرب سوريا، تعود إلى 2400 قبل الميلاد، وفقاً لما تُشير إليه المراجع. عُرف هذا الصابون أيضاً باسم صابون حلب، هذه المدينة التي يُعتقد أنها مأهولة بالسكان منذ ثمانية آلاف عام، والتي اشتهرت به على وجه الخصوص، ثم ازدهرت هذه الصناعة في العصر الحديث بفضل توفر المواد الأولية المحلية، وانتشرت لتصبح جزءاً من التراث الثقافي السوري بشكلٍ عام، وانتشرت في كثير من المناطق التي تتوفر فيها مكوناتها الأساسية ولا سيما مزارع الزيتون التي تشتهر فيها شمال غرب سوريا بشكل خاصّ. 

يؤكد حمزة صناع أن هذه الصناعة مُتعبة، لكن ما يجعلها ممتعة أنها صنعته أباً عن جدٍ، حيث اعتاد عليها ومرّ على عمله فيها قرابة 30 عاماً – أي منذ بلوغه الثامنة عشر – : “تحتاج صناعة الصابون إلى صبر ووقت وجهد”. يشرح بأن نهار عمل كامل يمرّ فقط في تفريغ الزيت في القِدر، ثم تصبينه بإضافة الكوستيك، ويُترك لليوم التالي، ويستمر الطبخ والتعطير لمدة 48 ساعة، وبعدها يتم فرش الصابون حتى يجف ثم يتم تقطيعه، ثم ترتيبه بشكل متناسق، ثم تخزينه لما لا يقل عن 4 إلى 5 شهور حتى يجف تماماً، ويصبح جاهزاً للاستخدام.

يحظى صابون الغار بشعبية كبيرة في مختلف أنحاء العالم، حيث يمتاز بمكوناته الطبيعية، وبخلوّه من الملونات الكيمياوية، مما يجعله مناسباً لجميع أنواع البشرة وآمناً للأطفال، بخلاف البدائل الكيميائية التي قد تؤثر سلباً على الجلد. تعتمد جودة الصابون على نسبة زيت الغار، والتي تحدد فوائده للبشرة، وفق ما أكده حمزة الصنّاع، موضحاً: “تختلف تصنيفات صابون الغار بناءً على كمية زيت الغار المضافة، من 5% إلى 20%، وكلما ارتفعت النسبة زادت الفوائد”.

النسبة الأكبر من الصابون مُعدّة للتصدير

واجهت هذه الصناعة تحديات كبيرة، خلال الحرب التي مرّ عليها 13 عاماً في البلاد، وأُغلقتْ العديد من المعامل مع اندلاع أعمال العنف في البلاد في 2011، وانتقل بعضها إلى مناطق أخرى. كان في حلب مهد هذه الصناعة قبل ذلك العام أكثر من 200 معمل ينتج صابون الغار، انتقل الكثير من هذه المعامل إلى أرياف حلب ومنها عفرين، التي تضم وحدها اليوم أكثر من 40 معمل صابون. يقول محمد الإبراهيم المسؤول الإداري في واحد من هذه المعامل في عفرين، أن الصناعة توقفت لسنوات في حلب، وانتقلت إلى الأرياف بسبب الحرب. كذلك يشير إلى الصعوبات اللوجستية، التي تتعلّق بصعوبة تأمين المواد الأولية في أوقات سابقة.

يشير الإبراهيم إلى تطور الحرفة التي كانت تتم على مستوى المنازل، ثم أصبحت على مستوى المعامل، وبعد ذلك نشأت منشآت ضخمة، ودخلت المكننة في عملية الإنتاج. يقول: “أصبحت عمليات التعبئة والتغليف مختلفة تماماً. كذلك في الماضي، كان يتم الطهي باستخدام النار المباشرة تحت القدر، أما الآن، فيتم الطهي باستخدام البخار والتماس غير المباشر”.

تنعكس الأوضاع السياسية في البلاد والحرب على الصناعات بشكل عام، وعلى حركة التبادل التجاري. اليوم، هناك حركة تبادل تجاري عبر المعابر الحدودية بين منطقة شمال غربي سوريا وتركيا، وهناك اتفاقية تُوصف بـ “غير العادلة” فرضتها تركيا بحكم الأمر الواقع، تسمح الاتفاقية لها بتوريد كافة منتجاتها إلى سوريا بينما يُمنع البيع على الأراضي التركية، ويُسمح للمنتجات السورية بما فيها صابون الغار بالعبور (ترانزيت) فقط من تركيا عبر ميناء مرسين إلى دول ثالثة، أوروبية وغيرها.

يتطلّب التصدير إلى تركيا أيضاً حصول التاجر مسبقاً على موافقة الجانب التركي على عبور بضاعته، بموجب تلك الموافقة يُسمح لبضاعته بالعبور، وفق ما أفاد به ” مازن علوش ” مسؤول المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى على الحدود السورية – التركية، والذي تديره حكومة الإنقاذ السورية التابعة لهيئة تحرير الشام. ويشرح بأنه ليس هناك معايير محددة للصابون الذي يخرج من المعبر بشكل خاصّ، ويتم تقديم التسهيلات لشحنه.

أما المهندس عبد الله المصري المدير العام لمديرية الصناعة التابعة لذات الحكومة، فيؤكد أنه يتم تنظيم عملية تصدير شحنات صابون الغار بشكل مباشر وبدون قيود ولا رسوم عبر تركيا التي لا تقدّم أي تسهيلات أخرى سوى العبور (ترانزيت). 

لا توجد إحصائيات دقيقة للكميات التي يتم تصديرها من صابون الغار المُنتج في منطقة شمال غرب سوريا، ولكن جميع من تم مقابلتهم في هذا التقرير من خبراء وحرفيين ومسؤولين حكوميين في المنطقة، أكدّوا أن الاستهلاك المحلي من هذا الصابون لا يتجاوز 10% من الإنتاج العام، بينما يتم تصدير 90% منه إلى مختلف دول العالم.

يعتبر الخبير الاقتصادي السوري حيان رشيد أن هذه الصناعة من الاستثمارات الإيجابية، حيث هناك طلب كبير عليها للتصدير خارج سوريا، ولها آثار إيجابية يعود نفعها على المنطقة، حيث هناك زيادة بعرض هذه السلعة وفي الطلب عليها، مما يعود نفعه على الصالح العام، لافتاً إلى ضرورة تنظيم عملية التصدير وحماية هذا المنتج الوطني، كي لا يرتفع سعر الصابون في المنطقة، بسبب الإقبال الكبير على تصديره. ويستدرك: “وإن كان شكل الدولة غير موجود في المنطقة إلا أن المنتج الوطني في النهاية يعود نفعه على المجتمع بأكمله”.

قطع من صابون الغار بعد ساعات قليلة من إنتاجه في معمل صابون في عفرين شمال غرب سوريا. تصوير: محمد الأحمد.

يتراوح سعر صابون الغار للكيلو الواحد في السوق السورية ما بين 60 و 120 ليرة تركية – أي ما يعادل 1.5 يورو إلى 3.5 يورو – بينما في أوروبا فيختلف من مكان لآخر، في إسبانيا يتراوح سعر الـ 100 غرام بين 3 يورو ويصل إلى 20 يورو، حسب جودته ونوعيته، ونسبة زيت الغار فيه. 

أجور قليلة وفرص عمل موسمية

يلفت الخبير الاقتصادي إلى أهمية صناعة الصابون في المنطقة في تشغيل الأيدي العاملة، حيث في كل مصبنة يعمل من 10 – 12 عامل، بين فنيين لديهم خبرة وعمال عاديين. ويشير مدير الصناعة في إدلب إلى أن أجرة العامل تتراوح بين 3 – 5 دولار، لافتاً إلى أن هناك مراقبة للعرض والطلب والخبرات المكتسبة، ومنع تشغيل اليد العاملة من الأطفال. في حين حمزة صنّاع صاحب مصبنة يؤكد بأن أجرة الخبير في صنع الصابون هي الأفضل ولا تقل عن 10 دولارات في اليوم.

لا شكّ أن سنوات الحرب انعكست على الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير في سوريا، حيث يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، وفي تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، صادر في 23 مايو/أيار الماضي، قدّر أعداد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بـ 12.9 مليون شخص. هناك ضعف شديد في الدخل والرواتب شبه معدومة. في هذه الصناعة أيضاً الأمر ذاته، حيث الأجور فيها ضعيفة.

سمير عاصي (39 عام) عامل في مصنع صابون في إدلب، وأب لأسرة مُهجّرة مكوّنة من ستة أطفال وزوجته، يرى أن أجرته اليومية ضعيفة مقارنة بالوضع الاقتصادي الحالي في المنطقة، على الرغم من أنها تعتبر أفضل من غيره، لعمله منذ سنوات في هذه الحرفة، حيث تبلغ أجرته 300 ليرة تركية، أي ما يعادل ثمانية يورو تقريباً. 

يؤكد سمير أنه يعيش في منزل بالإيجار، وأن لديه الكثير من المسؤوليات على عاتقه، وهذا دون النظر للغلاء، الذي يزيد من الفجوة بين الدخل والإنفاق اليومي، يقول: “على الرغم من أن العمل في هذه المهنة يتطلّب مهارات وفنيات ودقة كبيرة، إلا أن اجورها لا تساعد الفرد على الاكتفاء منها فقط”. ويشير إلى أن العمل بهذه الحرفة موسمي من 3 – 4 أشهر فقط، وبعدها يتوجه العامل لأعمال في مجالات أخرى، حسب ما يتوفر له في المنطقة، حيث يتوجه هو مثلاً للعمل في البناء.

عمال في مصنع صابون في مدينة عفرين في ريف محافظة حلب السورية. تصوير: محمد الأحمد.

يوجد في منطقة شمال غرب سوريا جمعية حرفية تُنظم وتضبط جميع صناعات مواد التنظيف والعناية الشخصية، بما فيها صناعة صابون الغار. وتضم هذه الجمعية أكثر من 200 عضو. ويقول مدير الصناعة بأن حكومته تعمل على توفير المواد الأولية الخام لصناعة صابون الغار، بأقل الأسعار وتأمين المواد المساعدة المستوردة بأسرع وأسهل الطرق، ويعملون على تبادل الخبرات بين الجهة الحكومية العامة وأصحاب المهنة.

ويوضح أنهم في مديرية الصناعة يسعون إلى تأمين وسائل ومعدات لهذه الصناعة بالذات، مثل آلات التعبئة والتغليف واللوازم المشابهة، وكذلك العمل على تسهيل عبور الآلات والمعدات بدون أي رسوم جمركية. يقول أيضاً: “يتمثل الدعم الحكومي في سياسة حماية المنتج المحلي من أجل استمرار عمل هذه المنشآت”. في حين يؤكد حمزة صنّاع بأن الحكومة الموجودة لا تقدّم أي دعم يُذكر، ويختم حديثه: “تستطيع القول تقول لا يوجد تسهيلات [من الحكومة] ولا أي صعوبات”.

Authors

  • Ayham Al Sati

    صحفي سوري، يعيش في مدريد منذ عام 2019. مؤسس ومحرر في مجلة بيننا، متخصص في الأدب العربي من جامعة دمشق، وعمل كصحفي خلال الحرب في سوريا منذ العام 2011. Es un periodista sirio. Vive en Madrid desde el año 2019. Cofundador y editor en la revista de Baynana.es. Es especialista en Literatura Árabe por la Universidad de Damasco y trabajó como periodista durante la guerra en Siria desde el año 2011. 

    View all posts
  • Mohammad Al Ahmad

    صحفي سوري يعمل على تغطية أحداث الثورة السورية في منطقة شمال غربي سوريا منذ عام 2013، ووثق العديد من الصراعات التي دارت في هذه المنطقة وما خلفته من انتهاكات لحقوق الإنسان. كما شارك في العديد من التغطيات الإعلامية لتوثيق الأعمال الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية للشعب السوري. ويعمل منذ العام 2023 مراسلاً ميدانياً لمجلة بيننا من داخل سوريا. ويعمل كمتعاون مع مجلة بيننا.

    View all posts

En español

Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا

Ayham Al Sati

صحفي سوري، يعيش في مدريد منذ عام 2019. مؤسس ومحرر في مجلة بيننا، متخصص في الأدب العربي من جامعة دمشق، وعمل كصحفي خلال الحرب في سوريا منذ العام 2011. Es un periodista sirio. Vive en Madrid desde el año 2019. Cofundador y editor en la revista de Baynana.es. Es especialista en Literatura Árabe por la Universidad de Damasco y trabajó como periodista durante la guerra en Siria desde el año 2011. 

Mohammad Al Ahmad

صحفي سوري يعمل على تغطية أحداث الثورة السورية في منطقة شمال غربي سوريا منذ عام 2013، ووثق العديد من الصراعات التي دارت في هذه المنطقة وما خلفته من انتهاكات لحقوق الإنسان. كما شارك في العديد من التغطيات الإعلامية لتوثيق الأعمال الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية للشعب السوري. ويعمل منذ العام 2023 مراسلاً ميدانياً لمجلة بيننا من داخل سوريا. ويعمل كمتعاون مع مجلة بيننا.
زر الذهاب إلى الأعلى