إبراهيم الجبين: “الأدب يجب أن يكون متناقلًا بين الشعوب”
"الخميادو" هي اللغة السرّيّة التي كان يتحدث بها الأندلسيون الموريسكيين في القرن الخامس عشر. وهو عنوان الرواية الجديدة التي نُشرت في تركيا وتدور أحداثها في سوريا بلد مؤلفها الكاتب والصحفي إبراهيم الجبين. تحدثت مجلة بيننا مع الكاتب حول الرواية، وسر الربط بين الدولة الشرق أوسطية والأندلس.
قد يبدو سؤال شخص ما عن مكان إقامته أمرًا بسيطًا؛ أمّا بالنسبة لبعض الناس فالإجابة معقدة. هذا هو حال الكاتب إبراهيم الجبين. أصله من دمشق – سوريا، عاش في العديد من المدن المختلفة منذ عام 2011 ويقيم حاليًا في ألمانيا، حيث يقول أن كل المدن لم تستطع أن تكون بديلًا عن دمشق.
شغف الجبين وعمله في الصحافة دفعه لكتابة اثني عشرَ مؤلفاً خلال مسيرته المهنية، بينها السياسية والبحثية والتاريخية واللغوية والشعرية، أبرزها “يوميات يهودي في دمشق” و “عين الشرق” وكذلك أنتج العديد من الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية الحوارية. كما يعمل الآن محرّرًا في صحيفة العرب اللندنية، وموقع نداء بوست المهتم بأخبار سوريا والشرق الأوسط.
انتهى الجبين حديثًا من تأليف رواية “الخميادو”، التي تجري أحداثها في المستقبل بعد سنوات طويلة من ربيع العام 2011 في سوريا، حيث تتخذ من دمشق مسرحًا رئيسيًا لأحداثها، بالإضافة للعديد من الأماكن في المنفى، باريس، القاهرة، دبي، تونس، عمّان، اسطنبول، كوبنهاغن ومدن ألمانية. تلعب في الرواية شخصيات حقيقية وأخرى يختلط فيها الخيال مع الواقع.
قرر المؤلّف تسميتها “الخميادو”، والتي تعني (اللغة السرية للعرب الأندلسيين)، نظرًا للظروف المشابهة التي عاشتها الأندلس آنذاك، والتي شهدتها سوريا في العقد الماضي وتشهدها في الوقت الراهن، وكذلك للرّبط بين الماضي والحاضر.
أجرت مجلة بيننا مقابلة مع الكاتب لمعرفة المزيد من التفاصيل المثيرة للاهتمام حول الرواية، وأيضًا لمعرفة مدى وأسباب التطرّق إلى تاريخ الأندلس في الرواية.
كيف أتتْ فكرة الرواية “الخميادو”؟
هي ليست فكرة مخلوقة بقرار، إنما صنعتها المواكبة للسيرة، سيرتنا جميعاً، من الذاتي إلى الجمعي، وكنتُ قد ختمت روايتي السابقة ”عين الشرق“ بمشهد أطفال درعا الذين خطّوا على جدار مدرستهم كلمات ستغيّر وجه التاريخ لا في سوريا وحدها بل في العالم كله، ومن تلك الصورة تتابعت الصور وتوالدت في الرواية الجديدة، بالعودة إلى ما قبل ذلك بكثير، إلى الماضي البعيد، والذهاب إلى المستقبل القادم الذي يبحث السوريون عن إجاباته. هنا لا ينفصل عن التأثير بك مزيج من الأفكار الأكثر اتساعاً من حالة الانتفاضة الشعبية، البعد الإنساني في مساره الزمني كله، وبالطبع حامله الأعظم، كما أؤمن باللغة. لهذا ”الخميادو“.
لماذا “الخميادو”؟
كم مرة في التاريخ قرّر شعب ما أن يخترع لغة سريّة كي يحفظ هويته وثقافته؟ في زمننا هذا الأغلب هو ميل الناس نحو الانكسار، وفي الحالة السورية الأنين من محاولات المحو والإبادة والتهجير، لكن من ابتكروا ”الخميادو“ في الأندلس لم يفعلوا هذا، بل اتخذوا قراراً بأن يستمروا وسط تحريم وجودهم ولغتهم العربية – التي كانت ستقودهم إلى محاكم التفتيش -، وتمكنوا من خلال ذلك من مواصلة الدفق الحضاري الذي نقل المحتوى إلى الأجيال اللاحقة. وكثيراً ما نرى اليوم، آثار وبصمات نهضة الأندلس التي اشترك فيها الجميع عرب وأوروبيون، مسلمون ومسيحيون ويهود، في الحضارة الغربية كلها، هذا لم يكن ليحصل لو خضع المهزومون للقوة الغاشمة التي أرادت محو كل شيء. فهل هُزمواً فعلاً؟
هل يمكنك إخبارنا قليلاً عن محتوى الرواية؟
القصة الرئيسية تدور حول مجموعة من الباحثين تدرس خرائط المدينة القديمة في دمشق، لتحدّد المكان الدقيق للمدرّج الروماني فيها، والذي يعرف الجميع أنه موجود الآن ومدفون تحت الأرض في سوق البزورية تحت بيت العقاد. وفي طريقهم إلى ذلك الهدف سيكون عليهم أن يصغوا إلى بعضهم البعض، في حوارات عديدة تعيد سرد الحدث السوري من أوله إلى قادم أيامه. تفاعلات المجتمع السوري بتكويناته كلها مع ما يجري في البلاد في اللحظات الأولى، كيف فهمه هذا أو ذاك، وكيف تفاعل معه. وفي حواشي الكتاب تجري قصص أخرى، حاولت فيها مواصلة ملاحقتي لجذور الشر في الدولة السورية ”الحديثة“ إن صح التعبير – ولا أظنه كذلك – والمزيد من الحلقات النازية التي عاشت في سوريا في وقت مبكر، وأثرت في بنيتها وفي الدول العربية المحيطة بها. رجوعاً إلى فكرة المدرّج الروماني الذي كان مخصصاً أساساً للقتل وسفك الدماء في تلك الألعاب الوحشية التي كانت تقام بين جنباته. من أين يأتي العنف ؟ وإلى أين يمضي؟ أكثر الأسئلة التي لاحقت جميع الشخصيات في الرواية.
ما هو القاسم المشترك أو وجه الشبه بين أحداث الأندلس وما يحدث في سوريا حالياً؟
الإنسان والحضارة العريقة التي تتعرّض تفاصيلها الجمالية للعنف الشديد، والتدمير والهتك والقسوة دون حساب. النزعات الغرائزية والهمجية المتبادلة بين الأعراق والطوائف، أفول شمس الأندلس لن يكون أكبر من أفول شمس المشرق العربي بزوال مراكز الإشعاع الحضاري فيه، وعلى رأسها دمشق.
هل طرحت وقائع في الرواية حدثت في الأندلس وتحدث في سوريا الآن؟
لم أرغب في الذهاب نحو الحياة في الأندلس كاستحضار تاريخي، إنما هي استعارة لروح ما، والأندلس موجودة في كل مشهد من مشاهد الرواية، وقد كُتب الكثير عن ذلك الزمن، ما رأيته فيه هو ذلك الوهج الكبير الذي عنته اللغة لأهلها، وهو ما تفعله اليوم وما ستفعله غداً في سوريا. وحين نتحدث عن لغة، لا يعني ذلك فقط الكلام والكتابة، إنما النظام الذهني كله.
هل انتشرت الرواية بشكل جيد، وما مدى انتشارها؟
قامت دار Farabikitap في اسطنبول بنشر الرواية في معرفات عديدة بشكل كثيف، وفي أمازون، وستطرح في معارض الكتاب، ولا أعرف كيف سيتم استقبالها بصراحة، لكن القارئ يفاجئني دوماً، هو فوق كل توقعات الكتاب، وحين تضعه أمام تحديات فكرية عالية، تجده جاهزاً للتفاعل معها، القارئ، الجمهور، أذكى من النخب ومن منتجي المحتوى الأدبي والفني والثقافي عموماً، خاصة حين تقرّر التشارك معه في لعبة التركيب، فيصبح كاتباً مالكاً للنص مثلك، لا مجرّد متلقٍ لمن يبث له كلاماً ليسمع ويصفّق.
قرأت في المواقع الإخبارية أن الرواية ربما تكون مثيرة للجدل بشكل كبير خلال العام الجديد؟ اشرح لنا حول ذلك، ما هو المثير للجدل فيها؟
لا أعرف بصراحة، ربما المقصود بالجدل، هو الحوار، وربما طرح المزيد من النقاشات، ربما هو الكتابة في المستقبل، فهذا ليس دارجاً كثيراً في الأدب العربي، وقد يكون لما يختبئ خلف كل ما قلناه من مناخات دور في ذلك، ما يعنيني هو أن تصل الأفكار سواء فتحت باب النقاش، أم تركته موارباً. غير أن الانتقال من الذاتي إلى العام غالباً ما يخلّف لدى القراء المزيد من الأسئلة حول ما هو جدير بالكتابة عنه، وما هو جارح لحساسيات معينة، ماهو عادي وما هو لافت، ما يصلح للكتابة عنه في الصحافة وما يصلح للنص الأدبي وهكذا. دعنا نرى.
هل يجري التفكير في ترجمة الرواية للغات أخرى ولا سيما الإسبانية، خصوصاً أن فيها ربط مع الأندلس؟ وهل تعتقد أنها سوف تكون مثيرة لاهتمام الشعب الإسباني؟
هذا ما تفكّر به دار النشر، وأعتقد أنه سيكون مفيداً، لأن انتقال الفكرة المشتركة بين الشعوب أمرٌ لا يجب أن يقتصر على نشرات الأخبار ومراكز الأبحاث، بل أيضاً عبر الأدب، ولا تنس أن أسبانيا لديها ثورة حرية موؤدة، لا أعتقد أنها اضمحلت تماماً. وما يزال الإسبان يطمحون لتحقيق أهدافها القديمة، وربما هم يفعلون ولكن ببطء بعد أن تم منعهم من إنجاز ثورتهم في وقتها.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا