قال يوسف المغربي (اسم مستعار) أنه يريد الذهاب إلى مدريد للدخول إلى مركز القاصرين للحصول على الرعاية الصحية، التي لم يتلقاها في سبتة، حيث يعاني من أمراض أصابته نتيجة نقص النظافة والعيش في الشارع لفترة طويلة، بالإضافة أيضًا لمحاولة تسوية وضعه القانوني في مدريد.
قرر الفتى إخفاء هويته لضمان سلامته، لديه من العمر 15 عاماً من مدينة الفنيدق المغربية، وهو واحد من الآلاف الذين دخلوا مدينة سبتة سباحةً على إثر اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب في أيار/مايو الماضي، ومنذ دخوله سبتة يتخذ يوسف من الشارع مأوىً له، حاله في ذلك حال العديد من أقرانه.
اقترب يوسف مع صديقه سفيان إلى الطاولة التي تجلس عندها جوانا فيرنانديث، المتطوعة في مجموعة معكم، وهي مجموعة اجتماعية تعنى بشؤون المهاجرين الشباب والقُصّر الذين يعيشون في شوارع مدينة سبتة خلال مسار هجرتهم. على شرفة مطعم مغربي بالقرب من ميناء الجزيرة الخضراء قاما بالسلام على بعضهما، يجلس في هذا المكان العديد من الرجال المغاربة يحتسون الشاي ويتبادلون أطراف الحديث، كان الفتى يرتجف من البرد ولا يحمل معه إلا قصته المؤلمة وشعوره بالفرح لأنه استطاع دخول الجزيرة الخضراء قادماً من سبتة بعد محاولات عبور عديدة نفّذها سابقاً.
وعلى مدار الأشهر الست الماضية نفّذ يوسف محاولات دخول عديدة إلى ميناء مدينة سبتة بهدف العبور إلى شبه الجزيرة عن طريق التشبّث أسفل الشاحنة والبقاء لساعات طويلة حتى تصل الشاحنة إلى ميناء شبه الجزيرة.
“كنت أريد تناول الطعام حينما أخبرني صديقي أن هناك فرصة للتسلل إلى الميناء، فذهبت، وتمكنت من التسلل إلى الجزء الأول من الميناء“، وبما أن الحرس لم يكتشفوا أمره، استطاع يوسف الوصول للجزء الآخر من الميناء، وهو المكان الذي تتواجد فيه الشاحنات، وفقاً ليوسف.
وأضاف في مقابلته مع مجلة بيننا التي التقته بالقرب من ميناء شبه الجزيرة: “تعلقّت أسفل الشاحنة واستغرقت الرحلة قرابة عشر ساعات إلى أن وصلت إلى الميناء في شبه الجزيرة، ثم ألقى الحرس القبض عليّ واصطحبني إلى مركز القاصرين، ثم هربت”.
التسلل من خلال شاحنات النقل الدولي التي تتوجه من مدينة سبتة إلى الضفّة الشمالية لمحيط جبل طارق – الجزيرة الخضراء، هي طريقة ليست جديدة، حيث يتبعها الكثير من الشبان القاصرين المهاجرين للوصول إلى شبه الجزيرة منذ حوالي 20 عاماً، بهدف الانطلاق إلى مدن إسبانية أخرى، في حال لم يتم كشفهم من قبل أصحاب الشاحنات أو الحرس المدني المتواجد في الميناء. يحظى حلم الوصول إلى شبه الجزيرة بشعبية كبيرة بين الشباب المغربي لدرجة أن لديهم كلمة محددة للإشارة إليه: “القيام بالمجازفة”.
هذه الطريقة الخطيرة قد تؤدي إلى الموت في بعض الأحيان. إذ في العام 2019 توفي طفل مغربي يبلغ من العمر 15 عاماً، إثر تعرضه لحادث أثناء محاولته التعلّق بشاحنة على رصيف “بونينته” في ميناء مدينة سبتة، وفي حادثة مشابهة في العام ذاته، قتل طفل مغربي آخر يبلغ من العمر 16 عام، بعد دهسه من قبل سائق شاحنة أثناء محاولته التسلل.
حقق الشاب يوسف ما كان يسعى إليه منذ أشهر، إذ بعد نجاحه بالدخول إلى الجزيرة بتاريخ 12 نوفمبر 2021، أمامه الآن محاولة قاسية أخرى، وهي رحلة طويلة للوصول إلى مدريد.
في وقت سابق، حاول لمرّة واحدة، لكنه فشل، والآن يبدو أنه أكثر إصراراً على الاستمرار ليصل إلى هدفه، الذي دفعه لمغادرة المغرب والمخاطرة بحياته للوصول إلى إسبانيا، وهو البحث عن الحياة ومساعدة العائلة.
عواقب الإقامة في الشارع
في الفترة التي أقام بها في الشارع، تعّرض للضرب من قبل الحرس المدني في سبتة عندما كان يجلس في مكان بجانب الميناء، اقترب أحد عناصر الحرس المدني منه وقام بضربه على ظهره، حسب ما أفاد به الفتى.
وأثناء جلوسه مع صديقه وجوانا، كشف عن ساقه إذ بها جروح نتيجة الأمراض الجلدية التي أصابته عندما كان يقيم في شوارع سبتة، وبسبب نقص الرعاية الصحية التي يعاني منها نتيجة مكوثه بالشوارع.
قالت جوانا فيرنانديث المتطوعة في مجموعة معكم، أنه ينتشر في أجزاء مختلفة من مدينة سبتة قرابة 100 طفل، دون أي نوع من الحماية والرعاية وهم عرضة للخطر ومصابون بأمراض ولا يستطيعون الذهاب للطبيب لأنهم غير مسجلين في النظام الصحي، لعدم امتلاكهم الأوراق، “لم يتم تنفيذ أي مشروع من قبل الحكومة وقد تم التخلي عن هؤلاء الصبيان”.
“يفضّل هؤلاء الصبيان البقاء في الشارع على أن يذهبوا لمراكز الإيواء المؤقتة، التي قامت ببنائها الحكومة، بسبب الانتهاكات التي تحدث بحقهم هناك ونقص الرعاية واحتمالية إعادتهم قسرًا إلى بلادهم. هذه المراكز هي عبارة عن ثكنات معدنية، كما يعتبر الشبان أن إقامتهم بالشارع هي مؤقتة سوف تنتهي عندما يصلون إلى شبه الجزيرة، يتعرضون للاعتداءات بشكل مباشر أو غير مباشر وتُنتهك حقوقهم، كل هذه الأشياء تمنحك القوة للمضي قدمًا ومحاولة التغيير” كما أوضحت جوانا.
موظفة سابقة في مركز SAMU الذي تم انشاءه من قبل حكومة المدينة في يوليو الماضي، رفضت الكشف عن اسمها، قالت لمجلة بيننا أن عشرات الأطفال في مراكز إيواء القاصرين مصابون بأمراض جلدية منها الجرب والفطريات وحالات مرضية أخرى لا يستطيعون معالجتها بسبب عدم قدرتهم على رؤية الطبيب، ما يدفعهم هذا الوضع للهروب من المراكز.
رد المكتب الصحفي لحكومة مدينة سبتة على تساؤل مجلة بيننا حول إصابة القاصرين داخل المراكز بالأمراض نتيجة نقص الرعاية الصحية والنظافة، بالقول: ” عدد القاصرين المستضافين في المدينة هو 420، وأولئك القاصرين الذين استضافتهم المدينة المتمتعة بالحكم الذاتي ليس لديهم مشاكل في النظافة، والرعاية الصحية متاحة لهم. نحن نتحدث عن الأولاد المتواجدين في مراكز الرعاية وليس أولئك الذين يقيمون في الشارع”، في حين لم يتم الرد على سؤال،هل هناك مشاريع قيد التحضير من الممكن أن تغطي المشاكل التي يعاني منها القاصرون.
لا يريدون العودة
يفرُّ العديد من الأطفال قبل بلوغ سن الرشد من المغرب إلى إسبانيا بحثًا عن العمل اللائق والفرص والدراسة حيث عانى واحد من كل ثلاثة قاصرين من العنف الجسدي وسوء المعاملة في بلدهم وكان بعضهم ضحايا الاستغلال في العمل والإتجار، وفقًا لتقرير منظمة حماية الطفل الصادر في 16 نوفمبر من الشهر الجاري.
يُظهر هذا الرسم البياني إحصائيات القاصرين غير المصحوبين الذين تعرّضوا للعنف الجسدي وأولئك الذين لا يريدون العودة إلى المغرب، كذلك عدد الذين يأتون من المناطق الحدودية مع إسبانيا وهي تطوان والفنيدق والمضيق.
حتى لحظة نشر هذا المقال لم نستطع التحقق من مصير الشاب يوسف، إذا ما كان قد نجح في الوصول إلى مدريد أو ما يزال في شبه الجزيرة أو تمت إعادته إلى مركز القاصرين.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا