fbpx
الرئيسيةتقاريرحقوق

عمالة الأطفال في سوريا، الدوافع والحلول

ما الذي يدفع بالأطفال في سوريا لترك مدارسهم والتوجه لسوق العمل مبكّراً بل والعمل في أعمال شاقّة وخطرة على حياتهم، ومن المُتسبب بذلك؟

Ayham Al Sati – Moussa Al Jamaat

يعدّ عمل الأطفال في جميع دول المنطقة العربية أمراً واقعاً، وكذلك الأمر في سوريا، التي مرّ على الحرب فيها أكثر من 11 سنة. يضطر آلاف الأطفال هناك لترك مدارسهم والتوجه لسوق العمل، بل والعمل في أعمال شاقّة تُعرّض حياة كثير منهم للخطر، ولا سيما في أعمال مثل تكرير النفط وما يشبهها من الأعمال الشديدة الصعوبة والخطورة في منطقة شمال غرب سوريا. 

أحد هؤلاء هو الطفل جميل السفيراني، الذي يبلغ من العمر 14 عاماً، وينحدر من مدينة السفيرة في ريف محافظة حلب الشرقي، ويسكن منطقة ترحين، حيث تم تهجيره برفقة عائلته إليها، بعد سيطرة قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية العاملة برفقته على مدينته السفيرة جنوب حلب في العام 2013.

الفتى جميل بينما هو في منطقة عمله. عماد البصيري.

أعمال خطرة يقوم بها الأطفال

يعمل الطفل جميل في حراقات ترحين لتكرير النفط بطريقة بدائية منذ ثلاث سنوات – أي بدأ العمل فيها عندما كان في الحادية عشرة من عمره – حيث اضطر حينها لترك المدرسة والتوجه للعمل ليعيل عائلته، وذلك رغم المخاطر والأمراض التي تصيب الأطفال والعاملين في هذه المهنة الخطرة. يقول: “اضطررت للعمل في هذا المجال ولساعات طويلة رغم خطورته، وبعض الأحيان أُصاب بضيق في التنفس وببعض الأمراض الجلدية، ليس أنا فقط بل جميع الأطفال والعاملين بهذه المهنة”.

الفتى جميل بينما هو في منطقة عمله. عماد البصيري.

تنتشر في مناطق عدّة في  شمال سوريا العديد من مصافي البترول، التي تعمل على تكرير النفط بطريقة بدائية بعد استيراده من مناطق تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، و يصطلح الأهالي على تسمية هذه المصافي باسم “حرّاقات النفط“. حيث تقوم هذه المصافي بتأمين حاجة السوق المحلية من وقود السيارات والتدفئة والطبخ. لكن لها الكثير من الأضرار الصحية، ويعمل بها المئات من الأطفال في جمع النفايات الناتجة عن عمليات الحرق أو التكرير أو في تنظيف الخزان من الداخل وإزالة الشوائب التي هي عبارة عن سموم تسبب العديد من الأمراض كالسعال والربو التحسسي والتهاب القصبات الحاد وذات الرئة، عدا عن مخاطر انفجار هذه الحراقات عند أدنى خطأ أو تسرب للفيول.

ليست هذه الأخطار هي الوحيدة في هذا العمل، بل هناك تهديد آخر، حيث في أي لحظة يمكن أن يتم قصف هذه الحراقات من قبل الطيران الروسي. يؤكد الطفل السفيراني: “نجوت عدة مرات من القصف الروسي، الذي استهدف حراقات ترحين”. تم قصف هذه الحراقات عدّة مرّات من قبل الطيران الروسي وطيران النظام السوري، وقد راح ضحية هذا القصف في شهر مارس – آذار 2021 ثلاثة مدنيين ومتطوع في الدفاع المدني السوري.

ضيق المعيشة يدفع بالأطفال للعمل

يدفع العنف والأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد-19 العائلات في سوريا إلى حافة الهاوية، حيث حوالي 90 % من الأطفال يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. وفقاً للتقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة – اليونيسف. وتعاني البلاد بشكل عام من أزمات اقتصادية متتالية، وقد قدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم. 

من تلك الخيارات هو الخيار الذي اختاره مُجبراً الطفل نديم ناقو البالغ من العمر 11 عاماً، من مدينة الباب شرق حلب، هو العمل برفقة والده في مهنة متعبة وشاقة، وهي تلميع القطع المعدنية يدوياً. يقول: “بدأت في العمل مع أبي في السادسة من عمري، اضطريت للعمل كوني تهجرت كثيراً من مناطق إلى أخرى، ولم أستطع الالتحاق بالمدارس أصلاً. في كل مرة كنت انزح من مكان إلى آخر، ولا أستطيع الذهاب إلى المدرسة، أقصى حلم لدي هو أن أتعلم مهنة جيدة من أجل مساعدة عائلتي ومساعدة أبي في مصاريف الحياة القاسية”.

الفتى نديم ناقو أثناء تواجده في مكان عمله. عماد البصيري.

 أمية سفيراني 49 عاماً نازحة من ريف حلب الجنوبي وتعيش في مدينة الباب شمال حلب، تؤكد أن أطفالها تركوا المدارس بسبب ضيق الأحوال المعيشية وقلة الفرص نتيجة الحرب والتهجير، الذي تعرّضوا له في سوريا. حيث يعمل أطفالها في حرّاقات تكرير النفط، تقول: “أعلم مدى خطورة هذا العمل والأضرار الصحية التي قد يتعرّضون لها، بالإضافة للعمل الشاق والخطر على حياتهم، حيث تتعرض المنطقة لقصف النظام وروسيا، وكذلك هناك خطر انفجار الحراقات بسبب طبيعة العمل، ولكن لم يكن لدينا أي خيار آخر”.

وتضيف أمية، بأن أطفالها يعملون لأجل المساعدة في تأمين مستلزمات المنزل المعيشية الأساسية في ظل هذه الأوضاع الصعبة للغاية والوضع دائماً يذهب إلى الأسوأ، وتقول: “اتمنى أن أتمكن من إعادة أطفالي إلى مدارسهم بعد أن تستقر الأوضاع ونعود إلى منازلنا، ولكنه مع الأسف حلم بعيد المنال”.

التسرّب من المدارس والتوجه للعمل

تؤكد منظمة أنقذوا الأطفال في تقرير لها بأن اثنين من كل ثلاثة أطفال في شمال سوريا يفتقرون إلى التعليم، بتحليل البيانات المتاحة للجمهور، والنظر في برامجها الخاصة، حيث تحدثت إلى منظمات أخرى واستطلعت آراء حوالي 500 معلم، ووجدت أن 2.45 مليون طفل أو واحد من كل ثلاثة كانوا بالفعل خارج المدرسة بحلول نهاية عام 2019 في جميع أنحاء سوريا. وبأنه بين الربع الأول والثاني من عام 2020 انخفض عدد الطلاب في برامج إنقاذ الطفولة التعليمية من أكثر من 11200 إلى حوالي 7775. وفي شمال غرب سوريا أفاد شركاء منظمة إنقاذ الطفولة بأنهم فقدوا الوصول إلى ما يقرب من 50٪ من الطلاب في بعض المناطق بعد إغلاق المدارس في آذار / مارس، بينما أبلغ المعلمون عن أرقام مماثلة لمخيمات الهول وروج والعريشة في الشمال الشرقي، حيث توقف ما لا يقل عن 5،500 طفل عن الذهاب إلى المدرسة.

تقول كاثرين أخيل مديرة المناصرة في منظمة إنقاذ الطفل بأن الأطفال الذين شاركوا في البحث السابق، لم يشعروا في كثير من الأحيان أن لديهم خياراً آخر بشأن ترك مدارسهم والتوجه للعمل، بسبب الضغوط الاجتماعية والعائلية لمساعدة أسرهم، وغالبًا ما شعروا بذلك. تؤكد بأنه كان من الضروري بالنسبة لهم العمل.

توضح، أن 11 عامًا من الصراع وتدهور الاقتصاد يعني أن الفقر منتشر في جميع أنحاء سوريا، وتضطر العائلات بشكل متزايد إلى إرسال أطفالها للعمل، حيث تكافح العائلات لدفع ثمن الضروريات بما في ذلك الطعام والمياه النظيفة ومكان آمن ليعيش فيه أطفالهم. 

يخبرنا الطفل ناقو بأن لديه الكثير من الأصدقاء، بعضهم ما زال في المدرسة وبعضهم تركها أيضاً للعمل ومساعدة عوائلهم، يقول: “أحب وأرغب بالعودة الى المدرسة، لكن ظروف المعيشية صعبة ولدي كثير من سنوات الدراسة التي فقدتها”. بينما يدور الحديث معه يشتكي من ألم في يديه يوضح: “أشعر بألم مستمر في يدي، كوني أستخدمهن بالعمل بشكل مستمر، الأمر الجيد في عملي هو وجود والدي بجانبي أثناء العمل، وبالنسبة لأصدقائي أستطيع اللعب معهم في يوم العطلة أحياناً”.

يقول الدكتور “جهاد الحجازي” وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة في منطقة شمال غرب سوريا بأن أكثر الأمور التي أسهمت في تسرّب الأطفال من المدارس وتوجههم لسوق العمل هو ما حدث من دمار المدارس وتوقف العملية التعليمية، بعد قصف طيران النظام السوري وروسيا لمناطقهم، كل هذه الظروف ساهمت في دفع الأطفال في وطن نزوحهم الجديد للعمل لمساعدة أهاليهم أو لإعالة أسرهم في بعض الأحيان، خاصة أن هناك غياب في عدالة التوظيف وعدم وجود وظائف نتيجة عدم وجود مؤسسات بديلة”. 

لافتاً إلى أن الشعب السوري كان من أحرص الشعوب في  المنطقة على تعليم أبنائهم ومتابعة تحصيلهم، غير أن سنوات الثورة الطوال وما تعرض له الشعب من قصف وتهجير ممنهج، جعل الناس تفقد مصادر أرزاقهم حيث خسرت أراضيها وممتلكاتها، بالإضافة إلى أن العوائل قد خسرت معيلها نتيجة لعمليات القصف والخطف والتغييب القسري.

حلول مطروحة

يصف الوزير الحجازي الحلول لمشكلة عمالة الأطفال والتسرّب من المدارس بالمضنية والشاقة والمكلفة، ويلخصها في نقاط أولها محاولة تأهيل الأطفال الذين مازالوا في سن التعليم من خلال برامج تدريس خاص ومكثّف تراعي فترة الانقطاع الطويل عن المدرسة، كذلك توفير إعانة مالية للأسر التي يعولها هؤلاء الأطفال من أجل تفريغ الأطفال للدراسة وعودتهم إليها، نشر التعليم المهني والتقاني والحرفي للأطفال والكبار، الذين يجدون صعوبة في العودة والاندماج في برامج التعليم التقليدي. “أعتقد أن عودة الحياة الطبيعية وبدء عملية التعافي المبكر للمجتمعات وتدفق الاستثمارات سوف يؤدي بالنهاية إلى التقليل من هذه الظاهرة، ويقلل من عدد الأطفال المتسربين من التعليم، وبالتالي يقلل من عمالة الأطفال”.

 وتوضح أخيل مديرة المناصرة في منظمة إنقاذ الطفل: “تتطلب معالجة عمالة الأطفال من الجهات الفاعلة الإنسانية العمل معاً، لتحديد الأطفال العاملين أو المعرضين لخطر الاضطرار إلى العمل، لضمان حصول العائلات على النقد والدعم، للوصول إلى الوظائف وسبل العيش وتمكين الأطفال من الوصول إلى المدرسة والعودة إليها قبل كل شيء. هناك حاجة إلى تضافر الجهود لإنهاء النزاع ودعم العائلات للتعافي”.

مما يذكر بأن الأمم المتحدة تُعرّف عمالة الأطفال بأنها أعمال تضع عبئاً ثقيلاً على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، ويوجد في ذلك انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الدولية، فهي إما تحرم الأطفال من التعليم أو تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل. وتشمل عمالة الأطفال التي يجب القضاء عليها أسوأ أشكال العمل التي عرفت دولياً بالاستعباد والاتجار بالبشر وسائر أشكال العمل الجبري وتوظيف الأطفال جبراً لاستخدامهم في النزاعات المسلحة وأعمال الدعارة والأعمال الإباحية والأنشطة غير المشروعة. وتقول بأن العمل الذي يؤديه طفل دون الحد الأدنى للسن المخول لهذا النوع من العمل بالذات (كما حدده التشريع الوطني ووفقا للمعايير الدولية المعترف بها).

كاتب

  • baynana

    Baynana es un medio online bilingüe -en árabe y español- que apuesta por el periodismo social y de servicio público. Nuestra revista aspira a ofrecer información de utilidad a la comunidad arabófona en España y, al mismo tiempo, tender puentes entre las personas migrantes, refugiadas y españolas de origen extranjero, y el resto de la población.

En español

Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا
زر الذهاب إلى الأعلى