fbpx
قصصنا

من البحر إلى الفاعلية في المجتمع وريادة مواقع التواصل

استقلّ الشاب ’سمير فرنجي 20 سنة‘ قارباً من المغرب إلى إسبانيا وهو الـ في17 من عمره، واليوم أصبح عضواً فاعلاً في المجتمع المُضيف، ورائداً في وسائل التواصل الاجتماعي.

سمير فَرنجي 20 سنة، غادر بلده المغرب إلى إسبانيا عندما كان في السابعة عشرة من عمره، حيث استقل قارباً صغيراً في رحلته، وعانى كثيراً في الطريق إلى إسبانيا، لكنه تعلّم اللغة الإسبانية بسرعة واستفاد من جميع الموارد والدورات التدريبية المتاحة، ليصبح اليوم عضواً فاعلاً في المجتمع المُضيف، حيث لديه عقد عمل. إضافةً إلى ذلك فهو رائد في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعمل كيوتيوبر يُقرّب بين الثقافتين الإسبانية والعربية.

“بدأتُ من الصفر في إسبانيا وأنا الآن أعمل وأحققُ العديد من الأشياء التي حلمتُ بها عندما كنت في المغرب” هذه أولى الكلمات التي اختارها الشاب المغربي سمير فَرنجي لبدء حديثه مع مجلة بيننا. حطّ الشاب رحاله في إسبانيا في الخامس والعشرين من أغسطس في العام 2018 عندما كان قاصراً. وصل إلى إسبانيا ما يزيد على 6000 طفل غير مصحوبين بذويهم في ذلك العام، وكانت بزيادة على العام الذي قبله بنسبة 150%. وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ’يونيسيف‘.

ينحدر الشاب من قرية صغيرة اسمها اشنيون وهي كلمة أمازيغية تعني بالعربية التوءم، ككلّ الشباب من أبناء قريته كان يخطّط أن يكمل دراسته في المستقبل، ويحصل على وظيفة في موطنه، لكنه عندما أصبح يافعاً بدأ يغير الخطّة لأنّه رأى أنّ العديد من الشباب من حوله لا يستطيعون الحصول على الفرص التي يستحقونها، والأشخاص الذين يجدون عملاً، في الغالب لا يكون اختيارهم بناءً على الخبرة بل على ما يسمى بـ ’الواسطة‘. لهذا السبب قرّر الهجرة إلى إسبانيا الأقرب لبلده المغرب، للبحث عن مستقبلٍ لم يجده في موطنه.

اذهب، أرجو أن تسير الأمور على ما يرام!

ليس بالأمر السهل أن تقوم عائلة بقذف طفلها في البحر، لولا مطرقة الفقر وانعدام المستقبل التي تضرب على رأسها. هذا هو حال سمير الأصغر بين أفراد عائلته – أي الأكثر دلالاً من الجميع – لذلك كان هذا القرار في البداية مرفوضاً بشكلٍ قاطعٍ من قِبَل عائلته، لكن بعد مرور عام كامل من إلحاحه، قالت له أمّه في يوم من الأيام: “لن امنعك من الذهاب الآن، كي لا تأتي لاحقاً وتلقي اللوم علينا في منعك من تحصيل مستقبلك، اذهب! آمل أن يسير كلّ شيء على ما يرام وأن تفعل كلّ ما ترغب به، اذهب!”.

لقد كان قارباً خشبيّاً، صنعه شُبّان آخرين يعملون في الصيد ويرغبون بالهجرة أيضاً. يوضح: “لم اشترك بصنعه لأنّي كنتُ صغيراً، ولكن دفعتُ ما يترتب عليّ من المال، الذي منحوني إيّاه أخوتي الذين يعملون أساساً خارج البلاد”. 

يتذكّر سمير بدّقة التواريخ واللحظات المختلطة بين الفرح والحزن، حيث كان اليوم الثاني من عيد الأضحى، عندها تحوّلتْ فرحة العيد الكبير إلى حزن كبير، بعد وصول الخبر بأنّ كلّ شيء جاهز للانطلاق وعبور البحر، لأن الموج كان هادئاً. يقول: “جلبنا بعض الطعام والماء كي لا نموت من الجوع والعطش، وودعتُ عائلتي بالدموع وذهبتُ”.

بدء الرحلة

يخاف المهاجرون من القبض عليهم من قبل الشرطة المغربية وهم في بداية الرحلة، ويخافون من أن تتعامل معهم الشرطة الإسبانية بشكل سيء أو تضربهم بعد نجاتهم من البحر في النهاية. فيما تختلط المشاعر والأفكار وسط البحر، الماء يحاصرك من كلّ الجوانب، وكل شيء مجهول لا يُعرف ما يمكن أن يحدث في تلك اللحظات. رغم كلّ ذلك إلا أن التفكير في النجاة وتحقيق الحلم بالوصول إلى إسبانيا هو الذي يعلو غالباً. يضيف سمير: “كنت في تلك اللحظة وأنا في وسط البحر، أتوق بشدّة للوصول إلى هذا البلد، ولم أكن مهتماً إذا ما كنت سأموت في البحر. كان كل شيء مظلماً في الليل”.

بعد 21 ساعة وسط البحر رأى سمير ورفاقه الشاطئ كانوا سعداء جداً، بعد نزولهم على الرمال تم القبض على غالبيتهم من قبل الحرس المدني بينما فرّ آخرون لأنهم لم يكونوا قاصرين، ويخشون من إرجاعهم إلى المغرب. يشرح سمير “لم أكن أعرف أي كلمة إسبانية، لكن كانوا غاضبين جداً، ويصرخون، ولقد أخافني ذلك كثيراً” ثمّ تمّ نقلهم إلى مركز للشرطة، وبعد التحقيق والتأكد منهم، وبما أنّ سمير يعتبر قاصراً، فقد تم نقله إلى أحد مراكز القاصرين في غرناطة.

يظهر على عيونه أثناء الحديث بعض الحزن الذي يحاول إخفاءه بابتسامته، خاصّةً وهو يتحدث عن الأيام والليالي الأولى في مركز القاصرين، لأنّه ينام خارج بلده لأول مرة، وكان المركز في الجبال ويبعد عن المدينة أكثر من 6 ساعات سيراً على الأقدام والطعام بارد وغير جيد، والملابس غير مناسبة والمكان يفتقر للتدفئة. مركز القاصرين هناك لم يكن مناسباً للأطفال، وفقاً لسمير، الذي مكث في هذا المركز ثلاثة أيام فقط، وقرّر الهرب منه باتجاه مدريد، وهذه الرحلة هي ضرب آخر من ضروب المعاناة، حيث نام في الشارع لأوّل مرّة إلى أن حصل على تذاكر السفر هو ورفاق قاصرين آخرين من المغرب، حيث لم يتوقع في يوم من الأيام أن يصل إلى هذا المستوى في بلد لا يعرفه ولا يعرف أحداً فيه. 

سباق الزمن في ظل قلّة الموارد

يجب على القاصر في المراكز التي تحتويه أن يعمل بجدّ حتّى يتجنب البقاء في الشارع عند بلوغه سنّ الثامنة عشر، هذا بالضبط ما فعله سمير، حيث بدأ بتعلّم اللغة الإسبانية وبدأ بممارستها مباشرةً، وبعد أربعة أشهر كان يستطيع التواصل والبدء بتلّقي التدريبات المهنية، حيث شارك في دورة تدريبية لتعليم الحلاقة (peluquería) في فترة الصباح، ثم دورة نادل (Camarero) في فترة المساء. “لم يكن لدي الكثير من الوقت فقط سبعة أشهر كان عليّ في هذه الأشهر القليلة أن أجمع بين الكثير من الأشياء حتى لا أبقى في الشارع  عندما أكمل الـ 18 من عمري”. 

وبالفعل نجح سمير بعد إتمام الـ 18 سنةً من إكمال تدريباته المهنية، وفي الحصول على سكن مشترك مع شبّان من نفس عمره، وبمساعدة من العاملين في المنظمة التي كانت مسؤولة عن مساعدته عند وصوله لمدريد، وإلى أن نجح بالحصول على فرصة عمل في أحد المطاعم وسط مدريد، وهو ممتن للعاملين في تلك المنظمة لأنّهم مستمرين في مساعدته حتى اليوم في حال كان بحاجة لأي استفسار على الرغم من مغادرته مركز القاصرين منذ سنوات. 

ريادة مواقع التواصل الاجتماعي

تلقى مقاطع الفيديو للمقابلات مع الناس في الشوارع قبولاً عاماً في أوساط جيل الشباب، حيث يطرح اليوتيوبر أسئلة للناس حول أشياء يجهلونها أحياناً، ويتحدث حولها وينقاشهم فيها. هذا ما لفت انتباه الشاب سمير الذي طالما أحبّ تعلّم صناعة مقاطع الفيديو ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لهذا السبب قرر إنشاء قناة يوتيوب، ونشر العديد من الفيديوهات من شوارع إسبانيا. وقد  لاقى ذلك قبولاً، مما أسهم في جعله يقوم بتحديد هدفه بشكل أفضل، وشجّعه على كسر حاجز الخجل والوقوف أمام الكاميرا والحديث باللغتين العربية والإسبانية بشكل جيد. 

سمير فرنجي
اليوتيوبر المغربي” سمير فرنجي” في ساحة سول في مركز مدريد. محمد شباط

يتخذ الشاب من اليوتيوب والانستغرام وفيس بوك منصّات يتحدث فيها من شوارع مدريد حول أشياء من الثقافة العربية والإسبانية، وقد تفاجأ سمير بكميات التفاعل الكبيرة على الرغم من عدم اتخاذه لذلك كعمل. يقول سمير: “لدي أهداف أكبر من ذلك أسعى إلى تحقيقها على المستوى الشخصي، وأنا لا أفعل ذلك من أجل المال، بل أحب في أوقات فراغي الخروج إلى الشارع والاستمتاع بالتسجيل للحصول على هذا التواصل مع الناس، وأتلّقى العديد من التعليقات الإيجابية، وهذا يشجعني على إنشاء المزيد من مقاطع الفيديو”. 

كلّ ما أردتْ أن تسألني عنه!

كان ختام حديثنا مع سمير هو مشروعه الذي تشاركه مع منظّمة سيسال كل ما أردت أن تسألني عنه هو سلسلة فيديوهات يتحدث فيها سمير عن تجربته كقاصر سابق في إسبانيا، ويقابل فيها شخصيات أخرى أيضاً. والهدف العام لهذه السلسلة، كسر الأحكام المسبقة حول المهاجرين القاصرين، من خلال التعرّف على رحلات اندماجهم، والصعوبات التي تواجههم، وخطاب الكراهية ضدهم. ويجيب فيها علىالأسئلة الأكثر شيوعاً حول الهجرة وعلى وجه الخصوص حول مجموعات المهاجرين القاصرين والقاصرين السابقين، وتلك المجموعات القادمة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

كاتب

  • Ayham Al Sati

    صحفي سوري، يعيش في مدريد منذ عام 2019. مؤسس ومحرر في مجلة بيننا، متخصص في الأدب العربي من جامعة دمشق، وعمل كصحفي خلال الحرب في سوريا منذ العام 2011. Es un periodista sirio. Vive en Madrid desde el año 2019. Cofundador y editor en la revista de Baynana.es. Es especialista en Literatura Árabe por la Universidad de Damasco y trabajó como periodista durante la guerra en Siria desde el año 2011. 

    View all posts

En español

Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا

Ayham Al Sati

صحفي سوري، يعيش في مدريد منذ عام 2019. مؤسس ومحرر في مجلة بيننا، متخصص في الأدب العربي من جامعة دمشق، وعمل كصحفي خلال الحرب في سوريا منذ العام 2011. Es un periodista sirio. Vive en Madrid desde el año 2019. Cofundador y editor en la revista de Baynana.es. Es especialista en Literatura Árabe por la Universidad de Damasco y trabajó como periodista durante la guerra en Siria desde el año 2011. 
زر الذهاب إلى الأعلى