قيصر: الوجه الذي كشف للعالم وحشية الأسد
![](https://baynana.es/wp-content/uploads/2025/02/قيصر-.jpg)
في لحظةٍ تاريخية، انتظرها السوريون طويلًا، ظهر “قيصر” على شاشة قناة الجزيرة، ليكشف للعالم هويته لأول مرة بعد سنوات من التخفي. هذا الرجل الذي خاطر بحياته، ليخرج من قلب جحيم المعتقلات السورية بثلاثين ألف صورة وثّقت الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد بحق المعتقلين، أثبت أن البطولة ليست مجرد كلمة، بل موقف وشجاعة وألم.
من هو قيصر؟
لأكثر من عقد، كان “قيصر” اسمًا يتردد في الأوساط الحقوقية والإعلامية، دون أن يعرف أحد من يقف خلفه. عرفه العالم كمصور عسكري في الشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري، عمل في قسم الأدلة الجنائية، وكان مكلفًا بتوثيق الجثث التي تصل من أقبية المخابرات. لكن، على عكس من حوله، لم يرَ في الصور مجرد “أدلة جنائية”، بل أدرك أن هذه الجثث تمثل قصصًا لإنسانية مسحوقة، لأشخاص دفعوا حياتهم ثمنًا لمطالبتهم بالحرية.
كان قيصر يدرك أن الاحتفاظ بهذه الصور وحده لا يكفي، بل كان لا بد من إيصالها إلى العالم. وهكذا، على مدار ثلاث سنوات، بدأ بتهريب الصور سرًا، مستعينًا بصديقٍ له، حتى تمكن من إيصالها إلى الخارج، لتُحدث ضجةً عالمية، وصلت إلى أروقة الكونغرس الأمريكي، وأصبحت دليلًا دامغًا على وحشية النظام السوري.
لكن رغم أهمية الصور، بقي قيصر شخصية غامضة. كان مجرد صوت في الظل، لم يظهر للعلن خوفًا من بطش النظام، إلى أن قرر، أخيرًا، الكشف عن هويته. ظهر في مقابلته الأخيرة باسم “المساعد أول فريد المذهان”، من مدينة الشيخ مسكين في درعا، مهد الثورة السورية. بدا كرجل أربعيني، بلحية اشتعل الشيب فيها، يرتدي بدلة رسمية، وصوته يحمل ثقل التجربة التي عاشها. لم يكن يحب الكاميرا، ليس خوفًا، بل لأنها كانت أداته في توثيق الموت.
التجربة الشخصية: كيف استلهمنا شجاعة قيصر؟
بالنسبة لي كصحفي سوري، كانت قصة قيصر دائمًا مصدر إلهام وألم في الوقت ذاته. غادرت سوريا في عام 2019، ووصلت إلى إسبانيا، حيث واجهت صعوبات كبيرة في التأقلم مع اللغة والحياة الجديدة. لم أكن وحدي، كان معي زملاء إسبان من جمعية فتح الحدود ومركز الدراسات الإسلامية في مدريد ومن مركز البحوث العلمية، وزميلي الصحفي السوري أيهم الساطي، الذي شاركني ذات الهمّ. كنا نحمل سوريا معنا أينما ذهبنا، نحاول أن ننقل للعالم ما حدث وما زال يحدث هناك.
ومن هنا، بدأنا مشروعًا فريدًا: جولة تربط الحرب السورية بالحرب الأهلية الإسبانية “من مدريد إلى سوريا كرامة و ذاكرة”. كنا نريد أن نقول للناس هنا، في هذا البلد الذي عاش تجربةً دموية قبل عقود، إن ما حدث عندكم يحدث اليوم في سوريا، وربما بشكل أكثر وحشية. كنا نروي قصص المعتقلين، نتحدث عن الموت في الأقبية، ونحاول أن نجعل العالم يشعر بما مرّ به السوريون.
![](https://baynana.es/wp-content/uploads/2025/02/De-madrid-a-Siria-1024x576.jpeg)
دائمًا، كنا نذكر قيصر. كنا نتحدث عنه كرمز، كصوتٍ خرج من أعماق الجحيم ليقول الحقيقة. لكنه كان شخصية مجهولة بالنسبة لنا، مجرد اسم مستعار لرجل قرر أن يخاطر بكل شيء من أجل الحقيقة.
لكن البارحة، عندما ظهر أخيرًا، شعرت بشيء مختلف. لم يكن مجرد اسم أو صورة، بل كان رجلًا حقيقيًا، بملامح تحمل كل وجع سوريا. عندما تحدث، كان صوته هادئًا، لكن كلماته كانت أقوى من أي ضجيج. وصف مشاهد لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبها بسهولة: أجساد ممزقة، وجوه فقدت ملامحها بسبب التعذيب، أطفال، نساء، شيوخ، جميعهم وقعوا في قبضة آلة القمع.
الشعور بالفخر: عندما يصبح السوريون أصواتًا للحقيقة
لا يمكنني إنكار الشعور بالفخر عندما رأيت قيصر يتحدث. لم يكن فخرًا ساذجًا، بل مزيجًا من التقدير والحزن. تقديرٌ لرجلٍ حمل على عاتقه مسؤولية كشف الحقيقة، وحزنٌ لأن هذه الحقيقة كانت قاسية جدًا، لدرجة أن العالم، رغم كل هذه الأدلة، لم يفعل الكثير لإيقاف الجرائم.
قيصر لم يكن مجرد مصور وثّق الجريمة، بل كان شاهدًا على عصرٍ من الوحشية. لكنه اختار ألا يكون مجرد شاهد صامت. قرر أن يفعل شيئًا، رغم معرفته أن الثمن قد يكون حياته. وهذا، في حد ذاته، درسٌ لكل من يعمل في الصحافة أو في أي مجال يهدف إلى كشف الحقيقة.
بالنسبة لي، ولزملائي الذين عملنا في مشروعنا في إسبانيا، كان ظهور قيصر لحظة فارقة. كنا دائمًا نخبر الناس عن قصته، عن الصور التي سربها، عن أثرها السياسي والحقوقي، لكن الآن، يمكننا أن نقول لهم: هذا هو الرجل الذي فعل كل ذلك. لم يعد مجرد اسم أو شبح في الظل، بل هو إنسان حقيقي، عاش بيننا، ورأى ما لا يمكن احتماله، وقرر أن لا يسكت.
في النهاية، تبقى قصة قيصر واحدة من أهم الشهادات على الجرائم التي ارتُكبت في سوريا. لكنها ليست الوحيدة. هناك الآلاف من المعتقلين الذين ما زالوا في سجون النظام، ينتظرون مصيرًا مجهولًا. هناك ناجون يحملون في أجسادهم وأرواحهم ندوب التعذيب. وهناك، قبل كل شيء، قضيةٌ لم تُحسم بعد: العدالة.
ربما كان ظهور قيصر خطوةً مهمة، لكنها ليست نهاية القصة. إنها مجرد تذكير بأن الحقيقة، مهما حاول الطغاة دفنها، ستجد دائمًا طريقها إلى النور.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا