طالبوا اللجوء يغيرون مسار الرحلة من إيطاليا إلى إسبانيا
يسعى العديد من المهاجرين في ليبيا للوصول إلى الجزائر ومنها إلى إسبانيا، بعد فقدانهم الأمل من عبور البحر إلى إيطاليا.
يحاول الشاب السوري إسماعيل حبّوب أن يقطع البحر من الجزائر باتجاه إسبانيا، طمعاً بالوصول إلى برّ الأمان الّذي يراه في القارّة الأوروبية، بعد أن قطع رحلةً طويلة وشاقّة من سوريا إلى ليبيا ومنها إلى البحر ليعبر إلى إيطاليا، ثم لينتهي به الأمر في السجون الليبية، مما أجبره كالعشرات على تغيير مسار الرحلة.
يشاطره صديقه محمد أبو عادل تلك الرحلة – التي يصفها بالمأساة الحقيقية – من سوريا إلى لبنان ومنها إلى ليبيا ثم إلى الجزائر. أكد الشابان عبر مكالمة هاتفية أجرتها مجلة بيننا معهما أثناء تواجدهما في الجزائر، بأنّ أشد مراحل الهجرة صعوبةً هي التي في ليبيا، حيث بعد وصولهما برفقة عشرات اللاجئين، قررا التوجه لمافيات تهريب البشر من ليبيا باتجاه إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط.
وهم في وسط البحر كان معهم في نفس القارب مهاجرين من جنسيات مختلفة معظمها أفريقية، وكان الحلم بالنجاة كبيراً، لكن خفر السواحل الليبية اعترض قاربهم، وانتهى بهم الأمر في سجون الهجرة في ليبيا، والتي عانى فيها كلاهما من سوء المعاملة ومن سلبهما كل ما يملكونه حتى أوراقهما الثبوتية. يقول ’أبو عادل‘: “كان الطعام الذي يقدمونه لنا في السجون الليبية بارداً جداً، وفي كلّ يوم صحن واحد من المعكرونة لخمسة أو ستة أشخاص، كنا نأكلها بالأيدي”.
ليس هذان الصديقان فقط من يُغيّر هذا المسار، بل هناك العشرات من الباحثين عن اللجوء الذين يغيرون مسار رحلتهم باتجاه حلمهم الأوربي، ويستبدلون بوابة الهجرة بإسبانيا بدلاً من إيطاليا بحثاً عن حياة أفضل أو هرباً من الموت، وذلك خوفاً من وقوعهم فخّ السجون الليبية، التي لا يتم فيها مراعاة حقوق الإنسان مطلقاً. وفق ما رصدت ذلك مجلة بيننا في تقرير خاصّ حول حال المهاجرين الذين مكثوا فيها لأشهر.
تؤكد المستشارة والباحثة في سياسات الهجرة واللجوء جيما بينول جيمينيز بأن تغيير مسار الهجرة هو أمر شائع جداً، وبأنّ هناك العديد من العوامل التي تفسر سبب تغيير المهاجرين لدول المقصد، منها الآليات أو الأدوات التي يتم وضعها وتطويرها للتحكّم بالهجرة، مثل فرونتكس وتعاونها مع السلطات الليبية، ولذلك أثر ملحوظ.
توضح بأنّ تغيير المسار حتى أحياناً يكون نتيجة أحوال الطقس، التي تجعل المهاجرين يغيرون وجهتهم من منطقة إلى أخرى، كذلك هناك دوراً لشبكات التهريب وإلى ما ذلك. وتستنتج بأنّ هذا يعني بأنّ الطرق تتحرك وتتكيف، وهذا أمر شائع، لأنه يتعلق بكل الظروف. وتضيف بأنّه في حالة ليبيا: “الوضع هناك يوماً بعد يوم يزداد سوءاً، والمهاجرون يحاولون تفاديها قدر المستطاع”.
تؤكد المفوضية السامية لشؤون الهجرة والمنظمة الدولية للهجرة بأنّ ليبيا ليست مكاناً آمناً، وبأنه لا ينبغي إعادة أي شخص إليها بعد إنقاذه في البحر – وفقًا للقانون البحري الدولي فإنّه يجب أن يتم إنزال الشخص الذي يتم إنقاذه في مكان آمن لا في ليبيا.
ولفتت المفوضية والمنظمة الدولية بأنّ خفر السواحل الليبي أعاد أكثر من 13 ألف شخص إلى البلاد في العام 2021، وهو رقم يفوق عدد عمليات الاعتراض وعمليات الإنقاذ والهبوط في عام 2020 بأكمله، ولقي مئات الأشخاص مصرعهم في البحر، وهم في طريقهم باتجاه إيطاليا. في حين يستمر الاتحاد الأوروبي في تقديم المزيد من المال لليبيا مع العلم أنّه أصبح من المعروف أنّها تحتجز المهاجرين في ظروف سيئة للغاية.
الشابان السوريان الباحثان عن مكان للجوء إليه نجحا بالخروج من سجن الهجرة في ليبيا بعد وساطات ودفعا للمليشيات هناك مبلغ 2000 دولار أمريكي لكلّ واحد منهما بعد شهرين ونصف من المكوث فيها. يؤكد أبو عادل: “المشكلة أنك تدخل السجن بطريقة غير شرعية، وتخرج منه بطريقة غير شرعية، ويتم معاملتك خلال ذلك بطريقة غير إنسانية”. قرر الشابان بعد هذه التجربة القاسية وبشكل نهائي عدم التوجه إلى إيطاليا، خوفاً من القبض عليهم مرة أخرى من قبل خفر السواحل الليبي ووضعهم في السجون.
من ليبيا إلى الجزائر
تواصل الشابان برفقة مهاجرين آخرين من جنسيات مختلفة مع مهرّبين لتهريبهم من ليبيا باتجاه الجزائر، ودفعا مقابل ذلك مبلغ 1700 دولار أمريكي للشخص الواحد. وكانت عملية التهريب عبر طرق صحراوية، ووفقاً لشهادة ’أبو عادل‘ فقد كان المهربون بسياراتهم المليئة بالمهاجرين غير النظاميين يسيرون بسرعة كبيرة، على الرغم من أن الطرق غير مُعبّدة، كان الجو بارداً ويتم نقلهم من مهرّب لآخر ومن سيارة لأخرى، فضلاً عن السير على الأقدام إلى أن وصلوا إلى الجزائر. حتّى اليوم لا توجد إحصائيات توضح أعداد أولئك الذين يتوجهون من ليبيا إلى الجزائر.
من الجزائر إلى ألمرية الإسبانية
كان عام 2021 أكثر الأعوام مأساوية على الحدود الإسبانية، حيث لقي 4،404 أشخاص مصرعهم وهم يحاولون الوصول إلى إسبانيا، وفقاً لتقرير رصد الحق في الحياة للعام 2021 الذي أعده Caminando Fronteras، والذي أكد زيادة الوفيات على الطرق المؤدية إلى إسبانيا العام 2021 بنسبة 102.95٪ مقارنة بعام 2020. وتؤدي سياسات التحكم في الهجرة إلى زيادة الوفيات على الحدود بشكل كبير. وبأنّ 94.80٪ من الضحايا يختفون في البحر دون انتشال جثثهم، ومن الطرق التي يسقط فيها العديد من الضحايا، ويتم فقدان العديد من القوارب بالمهاجرين الذين فيها هو ذلك الطريق من الجزائر إلى ألميريا في إسبانيا.
هذا هو الطريق الذي سلكه الشابان السوريان. الذي لا يعتبر أفضل بكثير من طريق ليبيا – إيطاليا الذي فرّا منه. يقول إسماعيل حبّوب: “بقينا في الجزائر لأكثر من شهرين ننتظر أن تهدأ أمواج البحر، بعد ذلك خرجنا مع أحد المُهرّبين مُستقلّين قارباً صغيراً مزوّداً بمحرّك، وقد أضاع سائق القارب الطريق وكان جزائري الجنسية وكان خائفاً جداً، فاستلم دفّة القيادة أحد المهاجرين، وقبل وصولنا للشاطئ بـ 10 كم تعطّل محرّك القارب، وشعرنا بخوف شديد أن نموت وسط البحر، ولكن نجونا بأعجوبة في النهاية”.
تُلخص الباحثة في شؤون الهجرة، بإنّ وضع المزيد من الحواجز والسياسات للتحكّم بالهجرة وللحدّ من وصول المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي “الشيء الوحيد الذي يتم فعله بهذه السياسات هو فقط تعريض الشخص المهاجر للخطر بشكل أكبر”.
إسبانيا ليست الهدف
يعتبر العديد من المهاجرين الأراضي الإسبانية فقط ممرّ للعبور باتجاه أوروبا، يختار العديد من المهاجرين خاصّة السوريين منهم بلداناً أخرى للجوء إليها، مثل ألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة وغيرها، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في إسبانيا فقط 16068 شخص منذ العام 2013 حتى العام2021، وهو عدد صغير جداً مقارنةً بالأعداد الموجودة في دول أوروبية أخرى.
من برشلونة أخبرنا الشابان السوريان بأنّهما أصبحا في بر الآمان الأوروبي في إسبانيا لكنهما لن يمكثا فيها، لأن اللاجئين فيها يعانون أشد المعاناة بسبب نقص فرص العمل والمستقبل المجهول فيها، وبأنّهما سيتابعان رحلتهما باتجاه ألمانيا طمعاً بمستقبلٍ أفضل.
كان آخر تواصل لمجلة بيننا مع الشابين بعد وصولهما إلى ألمانيا، حيث قاما بتقديم طلب لجوء هناك، وبذلك تنتهي رحلتهما المحفوفة بالمخاطر، التي هربا فيها من شبح الموت في سوريا، والذي كاد يلتقي بهما في طريق هجرتهما.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا