fbpx
حقوق

الجرح الذي لا ينغلق أبدًا: فقدان المهاجرين في البحر المتوسط 

"الحمد لله لم يتم العثور على جثث".

عقبة محمد – ريكاردو بيريز سوليرو
هذا المقال هو نتيجة تعاون بين مجلة بيننا أول منفذ إعلامي باللغتين الإسبانية والعربية – و Equal Times.

منذ ثلاثة أشهر، كان أحمد المرشد – 22 سنة، يخشى الأنباء القادمة من شواطئ إيطاليا أو تونس أو الجزائر. اختفى شقيقه الأصغر  يوسف المرشد، البالغ من العمر 19 عامًا في 31 ديسمبر مع ثلاثة عشر شخصًا آخرين سوريين ومغاربة وجزائريين، عقب مغادرة شاطئ عكاشة في الجزائر إلى جزيرة “سردينيا” الإيطالية.

حتى تاريخ نشر هذا التقرير، لا توجد معلومات عن هؤلاء المهاجرين، بمن فيهم ستة أطفال وسيدة حامل، غادروا في قارب خشبي باتجاه القارة الأوروبية، مع 16 بيدون من البنزين ومحرك 40 حصان. وسبق أن حاول الأخوان اللذان ينحدران من مدينة درعا السورية، الهجرة من الجزائر على متن زورقين مختلفين في أكتوبر الماضي. تمكن أحمد من الوصول إلى إيطاليا ثم هولندا، لكن يوسف اضطر للعودة إلى الساحل الجزائري. في المحاولة التالية لعبور البحر الأبيض المتوسط ​​ليلة رأس السنة، اختفى يوسف أثناء محاولته اللحاق بشقيقه.

بين الأمل واليأس، القصة التي يرويها أحمد في مقابلة مكتوبة هي واحدة من آلاف القصص التي ابتلعتها المياه التي تغمر أوروبا.

يعد البحر الأبيض المتوسط ​​أخطر طريق للهجرة في العالم. فوفقًا لمشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة (IOM)، لقي 19024 شخصًا حتفهم واختفوا على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط ​​وحده منذ عام 2014 إذ تؤكد بيانات المنظمة وفاة ثلثهم فيما يبقى الآخرون مقيدون بحالة غامضة كمفقودين.

المنظمات غير الحكومية مثل “كاميناندو فرونتيراس”، التي تجمع أرقام الوفيات والاختفاء على الطرق المؤدية إلى إسبانيا، تشير إلى أن 94.80٪ من الضحايا لم يتم التعرف عليهم في عام 2021. ، تشير الناشطة في Walking Borders، إيلينا مالينو: “معظم الجثث في البحر لم يتم العثور عليها أبدًا”. تأسف الناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان، لأنه منذ عام 2019 تضاعف عدد الوفيات والاختفاء للأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى إسبانيا سنويًا، حيث وصل إلى 404 في عام 2021، ويعود ذلك جزئياً إلى الزيادة المأساوية في حطام السفن على طريق جزر الكناري.

تقول “مالينو”: “كانت المشكلة هي فتح طريق المحيط الأطلسي، وهو أكثر خطورة، وإغلاق وعسكرة منطقة البحر الأبيض المتوسط”.

لحالات الاختفاء هذه أثر قانوني على الأقارب، الذين لا يستطيعون إعلان الوفاة أو توزيع الميراث، وتأثيرًا نفسيًا واجتماعيًا لأنهم لا يستطيعون إقامة حداد أو عزاء. تقول الناشطة: “أي اختفاء جماعي له تأثير كبير جدًا على المجتمعات”.

البحث المحبط عن إجابات هو محنة يمر بها معظم أفراد الأسرة. في حالة أحمد، اتصل بالمحامين والمنظمات غير الحكومية، مثل هاتف الإنذار الإيطالي، الذي أبلغ في أوائل يناير عن فقدان ثلاثة قوارب تغادر الجزائر وطلب من خلال تغريدة عملية بحث بدعم جوي للعثور عليهم.

بعد استفسارات مستفيضة، يعتقد أحمد أن شقيقه ربما يكون في مركز احتجاز في تونس، وهي معلومات لم تتمكن Equal Times من تأكيدها من مصادر رسمية أو منظمات غير حكومية.

أحلام المضيق

تمكن عمر الرياني، الشاب المغربي الذي يبلغ من العمر 25 عامًا، من الوصول إلى شبه الجزيرة الأيبيرية (الجزيرة الخضراء) في يناير بعد دفع 20 ألف يورو مع زملائه الآخرين وشراء قارب مطاطي صغير مُستعمل. قبل ذلك بوقت قصير، لم يحالف الحظ خمسة من أصدقائه، جميعهم ​​مغاربة قاصرين، واختفوا بعد مغادرتهم سبتة بليلة عاصفة في قارب صغير بدون محرك في 30 نوفمبر 2021.

عمل الرياني دهان منازل، لمدة خمس سنوات في مدينة سبتة وانتقل بين إسبانيا والمغرب. كما قام بوظائف أخرى، وهكذا التقى بالشبان القاصرين عندما عملوا معًا في محطة وقود في سبتة. يقول الرياني في المقابلة التي أُجريتْ معه في مدريد: “أخبروني أنهم يفضلون الموت في البحر على العودة إلى المغرب”.

ومثل حالة هؤلاء القاصرين، يعيش حوالي 100 طفل في شوارع سبتة دون رعاية، لأنهم لا يريدون البقاء في مراكز القاصرين خوفًا من إعادتهم إلى المغرب. دخل معظمهم المدينة بعد الأزمة الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب في مايو 2021 و يحاولون العبور إلى إسبانيا بشكل يومي. إنهم يغامرون بحياتهم بأساليب مثل “الريسكي” والتي تعني المخاطرة، وتكون بالتمسك بالجانب السفلي للشاحنات  في ميناء سبتة لساعات طويلة. يقول الرياني الذي يعيش الآن في العاصمة بابتسامة: “تعيش مدريد”.

عمر رياني، صديق القاصرين المغاربة المفقودين، يتصفح صورتهم على الإنترنت. عقبة محمد

استنكرت منظمة No Name Kitchen، التي تتواصل مع أقارب القاصرين المفقودين في بيان لها قلة الموارد من السلطات لمتابعة هذا النوع من القضايا وكذلك سلبية المجتمع “الأمر الذي يجعلنا شركاء في كل هذه الوفيات”. و بدورها شجبت المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها عن إسبانيا لعام 2021 أنه لا توجد بروتوكولات أو مؤسسات محددة تتعامل مع البحث عن المهاجرين المفقودين أو المتوفين وتحديد هويتهم.

وجاء في التقرير “تواجه العائلات نظامًا مُربكًا ومعقدًا بمفردها، والتي يتعين عليها التنقل فيه للبحث عن أحبائهم المفقودين” في إشارة للعقبات القانونية والبيروقراطية التي تشترك فيها العديد من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

لا حقوق في الموت

نددت رئيسة المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين المفقودين (CIPIMD)، “ماريا أنجيليس كولسا”، بالافتقار إلى الإرادة السياسية في إسبانيا وأوروبا التي من شأنها تحسين هذا الوضع.  تقول الناشطة “كولسا”: “وزارة الداخلية تقول دائمًا إنها مهتمة جدًا بالتعرّف على الجثث التي تظهر في إسبانيا، والحقيقة هي أن التعاون ليس كذلك، فهو غير واضح، هناك العديد من الموظفين الذين نقلوا لنا المعلومات بطريقة غير رسمية دون معرفة مدرائهم، و أشكرهم على تعاونهم”.

CIPIMD هي واحدة من المنظمات المدنية القليلة التي تواجه نقص الموارد واللامبالاة الإدارية العامة، حيث تعمل كوسيط بين العائلات والسلطات لتحديد الجثث التي يرجعها البحر. توضّح “كولسا” إلى أن هناك حالات لا يُعرف فيها بلد منشأ الجسد، وقد تكون صورة الأثر الشخصي كافية لربط العائلات بالمتوفى.

ومن العوائق الرئيسية الأخرى عدم وجود شكاوى. العائلات إما لا تستطيع السفر، بسبب حواجز المال أو اللغة، أو أنها تخشى تقديم شكوى. وبدون هذا الإجراء، لا يتم أخذ عينات من الحمض النووي ويصعب التعرف على الجثة إذا تم استعادتها. تقول “كولسا”: “هناك حالات ذهبت ولم يرغبوا في تلقي الشكوى منهم، لأنهم قالوا إنها لم تصل إلى إسبانيا”.

في حالة القاصرين المفقودين الخمسة، تم تفعيل بروتوكول البحث عندما أبلغ الأقارب الحرس المدني بحالات الاختفاء. إذا اعتبروا مختفين في الأراضي الإسبانية، ستتم إضافة القضية إلى قاعدة البيانات العامة للمركز الوطني للمفقودين، والذي بدوره لا يفرّق بين المفقودين سواء كانوا مهاجرين أو مواطنين. هذا النقص في المعلومات، وفقًا لنشطاء مثل “مالينو” من Caminando Fronteras، يمنع انعكاس حجم المشكلة.

 تقول مالينو: “إذا لم يكن هناك قتلى، فلا يوجد جناة أو أشخاص مسؤولون وهنا توجد سلسلة من الجناة الذين لديهم أسماء وألقاب، العديد من الشركات المرتبطة بقطاع مبيعات الأسلحة التي لديها سيطرة على الهجرة، وهو عمل آخر لهم”.

اللوائح الأوروبية لضمان حقوق المهاجرين، والتي تعترف بها المعاهدات الأوروبية والدولية لحقوق الإنسان، تحركت بشكل أبطأ بكثير من سياسة التحكم في الهجرة. وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، من الضروري تحسين وتحديث بروتوكولات الطب الشرعي وإنشاء هيئات عامة تركز على رعاية أفراد الأسرة، من بين تدابير أخرى.

وافق الاتحاد الأوروبي العام الماضي على قرار بشأن حقوق الإنسان وسياسة الهجرة، يتحدث القرار عن جهد منسق على المستوى الأوروبي لتحديد المهاجرين الذين يموتون في البحر الأبيض المتوسط ​​وإنشاء قاعدة بيانات مشتركة.

بالنسبة لـ “مالينو” فإن حقيقة مختلفة لأولئك الذين يخاطرون بحياتهم هربًا من البؤس أو الحرب. “الفقراء يموتون بسرعة والسود يموتون بشكل أسرع، هناك عنصرية وحشية جدًا. تقول الناشطة إن العائلات محرومة من حق البحث والدفن بكرامة”، مضيفة “لا يقتصر الأمر على حرمان الأحياء من حقوقهم، بل أيضًا على الموتى”.

واتصلت Equal Times بالسلطات الإسبانية بشأن اختفاء الأطفال الخمسة دون الحصول على معلومات من أي منهم. بالنسبة للإنقاذ البحري، قالوا في رسالة بالبريد الإلكتروني إن “وظيفتنا الوحيدة هي الإنقاذ، دون معلومات محددة حول الأشخاص الذين تم إنقاذهم. حيث يتم جمع بياناتهم (الخاصة بالمهاجرين) من قبل قوات الأمن عند وصولهم إلى الأرض”. وماذا عن أولئك الذين لم يصلوا أبدًا إلى الأرض؟.

لقراءة المقال باللغة الإنجليزية على موقع Equal Times، اضعط هنا.

كاتب

  • baynana

    Baynana es un medio online bilingüe -en árabe y español- que apuesta por el periodismo social y de servicio público. Nuestra revista aspira a ofrecer información de utilidad a la comunidad arabófona en España y, al mismo tiempo, tender puentes entre las personas migrantes, refugiadas y españolas de origen extranjero, y el resto de la población.

En español

Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا
زر الذهاب إلى الأعلى