fbpx
الرئيسيةقصصنا

محمد منتصر: “أرسم البحر للتشافي”

محمد منتصر الباز، شاب من أصل مغربي، يعمل رئيساً للطهاة في أحد الفنادق المرموقة في جزيرة غران كناريا، وأحد المشاركين في مشروع حديقة الأمل.

“الكفاح والاستمرار، إذا أردنا تحقيق الأهداف، علينا أن نكافح، نحن من نرسم الحدود لكل شيء”. هذه هي النصيحة التي يقدّمها محمد منتصر الذي يعيش في جزر الكناري منذ 15 عاماً، لجميع المهاجرين الذين يغادرون بلادهم. وصل هذا الشاب المغربي إلى جزيرة لاس بالماس في سن الخامسة عشرة، بعد أن سلك طريق جزر الكناري الخطير بالقارب. واليوم هو في الثلاثين من عمره، يعمل طاهياً في أحد الفنادق المرموقة في بلايا ديل إنجليس، بالإضافة إلى تكريس وقت فراغه للرسم.

حطّم وصول المهاجرين إلى جزر الكناري – التي تعدّ مدخلاً رئيسياً إلى إسبانيا من أفريقيا عبر المحيط الأطلسي – أرقاماً قياسية تاريخية بين شهري سبتمبر وأكتوبر من هذا العام، مما أدى إلى إرهاق موارد الهجرة في بعض الجزر الصغيرة مثل إل هييرو، التي استقبلت أكثر من 1000 شخص في الآونة الأخيرة، ويأخذ وصول المهاجرين إلى الجزر منحىً تصاعدياً، حيث ينمو بنسبة تزيد على 25% في عام 2022 مقارنة بعام 2021. وفي العام الماضي، ارتفع الرقم إلى ما يقرب من تسعة آلاف شخص، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية.

الوصول إلى الجزيرة 

يوضح محمد: “لم أرغب قط في الهجرة، عرض عليّ والدي ذلك ورفضت”. هذه المخاوف من المراهق جعلته لاحقاً يُغير رأيه بشأن عرض والده. كانت المسؤوليات العائلية والإمكانيات المحدودة التي سيجدها في بلاده هي الدافع الذي احتاجه ليقول نعم ويقفز إلى المحيط الأطلسي.

استقل محمد قبل 15 عاماً قارباً مليئاً بالقاصرين بحثاً عن حياة جديدة مليئة بالإمكانيات. يقول: “لقد كنت على علم بالخطر منذ أن غادرت منزلي. كنت طفلاً يعود إلى المنزل مبكراً، ودائماً مع العائلة، وفجأة وجدت نفسي وحيداً. لا يمكن رؤية أي شيء، كانت الأمواج ضخمة جداً، وكان الكثير من الماء يدخل إلى القارب. لقد كنت خائفاً جداً، وعندها رأيت الخطر”. في 11 تشرين الثاني – نوفمبر2007، تمكنوا أخيراً من الصراخ بشهادة أن لا إله إلا الله عند رؤية الساحل.

أصبح طريق جزر الكناري من أخطر الطرق في العالم للوصول إلى أوروبا من القارّة السمراء عبر المحيط الأطلسي، ومن أكثر الطرق ازدحاماً بالمهاجرين. وفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة: يبلغ عدد القتلى والمفقودين على طريق المحيط الأطلسي 440 شخصاً، بينهم عشرة أطفال في العام 2023 وحده، وفي عام 2020، وفي خضم الأزمة العالمية بسبب كوفيد-19، عانت جزر الكناري من أكبر أزمة هجرة بعد وصول 23000 شخص إلى الأرخبيل.

يُنقل المهاجرون القاصرون إلى مراكز إيواء مختلفة في الجزيرة، كما حصل مع محمد منتصر، وقد تم اعتقاله في مركز أحداث فونديلو (مغلق حالياً). يعيش في هذه المراكز القاصرون المهاجرون والأيتام أو أصحاب الجرائم البوليسية معاً، وهي واحدة من المشاكل الكبيرة التي يُسلط الضوء عليها هذا الشاب، حيث كان من الصعب للغاية أن يعيش المراهق حياة طبيعية في تلك الظروف، يقول: “بالنسبة لي كان الأمر غريباً وصعباً للغاية، كنت طفلاً من المنزل، وكنت معتاداً على التواجد دائماً مع عائلتي، لقد أبهرني حقاً أننا كنا جميعاً مختلطين معاً، كنا جميعاً صغاراً، ولكن لدينا مواقف مختلفة جداً، لقد جعلتهم يُسجلونني في ألعاب القوى، لأنني مارستها في المغرب، كما ركزت على دراستي للحصول على الإعدادية، وكنت بحاجة لقضاء أكبر وقت ممكن خارج المركز”.

وجد محمد منتصر بصيصاً من الأمل عندما تمكن من الانتقال إلى شقة في أروكاس في جزيرة غران كناريا، وهي كانت مكافأة للمراهقين الذين يظهرون تقدماً كي يصبحوا أكثر استقلالية.

العنصرية

“لقد ولدنا جميعاً متساوين، ما يُغيرنا هو الظروف التي ولدنا فيها”

محمد منتصر

تعتبر العنصرية واحدة من أكبر المشاكل التي يواجهها المهاجرون عند وصولهم إلى إسبانيا وبقية دول أوروبا، يؤكد محمد أن بعض الناس بصقوا عليه في الشارع. يقول: “عندما يشعر الشخص بالرفض، تبدأ الصراعات الداخلية، وإذا لم تكن تعرف كيف تتعامل معها، فإنك تميل إلى الابتعاد وعدم الاندماج”. لكن هذا الشاب نجح بالفعل في التعامل مع المواقف العنصرية التي واجهها، ويردد مراراً وتكراراً أن مهارته في التحكم بها، هي ما أدّى به إلى تحقيق أهدافه. يروي محمد مثالاً عن العنصرية خلال فترة دراسته قول أحدهم: “لم أكن أتحدث إليك لأنك مغربي”.

تُحذر جمعية “SOS Racismo” من زيادة الحالات السنوية للكراهية تجاه الأجانب التي يتم الإبلاغ عنها، وصولاً إلى 523 في عام 2022. وفقًا للمنظمة، يقوم فقط 15% من الضحايا بالإبلاغ، وذلك لأن الغالبية العظمى منهم لا يعلمون المعلومات اللازمة لاتخاذ إجراءات قانونية ضد التمييز العنصري.

يقول محمد: “جميعنا نولد متساوين، ما يتغير هي الظروف التي نولد فيها. بالنسبة لي، لا يوجد أبطال أو ضحايا، كل ما أملكه حققته بنفسي، لقد تلقيت مساعدة، ولكن بدون جهودي ما كنت لأصل إلى حيث أنا اليوم”.

عمل ورسم 

بعد انتهاء التعليم الثانوي الإلزامي، بدأ في دورة تدريبية انتهت به إلى العمل كطباخ في أحد المطاعم. لم تكن تجربته الوظيفية الأولى جيدة، بسبب البيئة السيئة التي كانت تسود في مكان العمل. ومن أحد أبرز العقبات التي واجهها في هذا الحرف كانت المشكلة التي واجهها في تزيين الأطعمة، بسبب عدم خبرته في الرسم وعدم معرفته بتقنيات كافية لتزيين أطباق المطعم بمكونات متنوعة. ومع ذلك، استطاع تحويل هذه الصعوبة إلى حافز للدخول في عالم الرسم قبل سبع سنوات.

“عندما تفكر بالاستسلام، فهذا هو الوقت الذي يتعين عليك فيه بذل قصارى جهدك”

محمد منتصر

يقول هذا الشاب: “عندما تفكر بالاستسلام، فهذا هو الوقت الذي يتعين عليك فيه بذل قصارى جهدك”. منذ ما يقرب من 10 سنوات، قرر محمد أن يبدأ في عالم الرسم تعليماً ذاتياً، حيث يرسم صوراً لأشياء بسيطة تبدو جذابة بالنسبة له. شيئاً فشيئاً تحسّن أسلوبه وبدأ في رسم أعمال زخرفية للمنازل التي تصور حيوانات، مثل الأسد، أو شخصيات مشهورة مثل الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو. وبالمثابرة والكثير من التصميم، تمكن من تعلم الرسم من الصفر، وبعد الكثير من التدريب والتفاني، أصبح رساماً محترفاً. واليوم، يمكن رؤية مجموعة أعماله في المعرض المؤقت الذي أقيم ضمن أحد الفنادق في جزيرة غران كناريا.

يؤكد محمد أن رحلته إلى الجزر هي وقف صعب جداً في حياته، ولكنها جزء منه. يقول بابتسامة: “كنت أرغب في رسم شيء يمثلني، يكون جزءاً منّي. الذهاب إلى مستودع القوارب الصغيرة والزوارق صعب، يثير العديد من المشاعر ويجعلك تتذكر فترة صعبة جداً، ولكنني لا أرى القوارب الصغيرة كشيء سيء، بالنسبة لي تعني تغييراً كبيراً في الحياة”.

هذا الشاب هو واحد من بين 24 فناناً يشاركون في حديقة الأمل، وهي مشروع يتضمن بناء حديقة كبيرة في بلدة ساحلية هي أريناجا، وسيتم تتويجها بعمل معماري تكريماً لجميع المهاجرين الذين قاموا بمسار الطريق الكناري. النصب التذكاري، الذي يحمل اسم “روزا دي لوس فينتوس” وهو عمل النحات باكو سواريز. يتألف من 16 زورقاً صغيراً مزينة برسوم تمثلية تم إنشاؤها من قبل الفنانين المشاركين.

أحد الأعمال الفنية لمحمد منتصر. أدريان سافيدرا

المستقبل

يدير الشاب المغربي محمد منتصر مطعمه الخاص في جزر الكناري، ولديه حلم آخر هو القدرة على نشر كتاب حول تجربته كمهاجر منذ مغادرته لمنزله حتى الوقت الحالي. يوضح حول ذلك: “أكتب كتاباً بمنظور الشخص الثالث، لكنه يستند إلى قصتي وقصة الكثيرين الآخرين الذين يأتون إلى هذه البلاد، شهاداتنا وتجاربنا نحن الذين مررنا بهذا الوضع”.

يسترجع محمد الماضي ويتذكر كم تغيرت طموحاته عند وصوله وكيف أصبحت اليوم: “أقدر الوقت كثيراً الآن. الخطة التي تأتي بها تتغير تماماً. كلما حققت أهدافاً، تأتي أهداف الجديدة ولا تفكر في العودة إلى بلدك، تتغير أولوياتك. في بداية العمل كانت إنجازاً بالنسبة لي، يمكنني إرسال الأموال لعائلتي وأشعر بالاستقلالية والحرية أكثر. الآن، لقد حققت أكثر مما حلمت به”.

لوحة فنية لأشخاص مهاجرين ضمن مجموعة القوارب والزوارق التي عبرت البحر الأبيض المتوسط. أدريان سافيدرا

يشعر الشاب بالسعادة بحياته الحالية، وعلى الرغم من ذلك يولي الكثير من الاهتمام لفهم أن كل ما عاشه حتى الآن لم يكن سهلاً، وكانت مسيرته مليئة بالعقبات التي كان من الصعب التغلب عليها. ويقدّم نصيحة لكلّ الأشخاص الذين يهاجرون: “عليك أن تكافح لتحقيق الأهداف، عليك الخروج من منطقة الراحة. إذا لم تبذل الجهد، لن يُقدم لك أحد شيئاً. ناضل وتعلّم، واستفد من كل فرصة تظهر لك”.

من محمد منتصر الذي يبلغ من العمر 30 عام إلى ذلك المراهق ذي الـ 15 عاماً: “لقد كان هذا يستحق كل ذاك العناء. الآن لدي ابن وزوجة، يمكن أن تُغيّر كل شيء، نعم كانت رحلة صعبة للغاية، مع العديد من التقلبات، ولا أستطيع أن أنسى كل الأشياء السيئة التي مررت بها، ولكن الآن أنا سعيد”.

كاتب

  • Elvira Delgado

    Doble grado en Periodismo y Comunicación Audiovisual.3 años de experiencia en televisión como realizadora (Mediaset).Periodista freelance sobre temas sociales y humanitarios. Artículos publicados en Planeta Futuro y La Voz de los ODS (UNRWA). Experiencia en el terreno en Bosnia: reportajes sobre los migrantes que recorren la Ruta de los Balcanes. Colabora con Baynana.

En español

Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا

Elvira Delgado

Doble grado en Periodismo y Comunicación Audiovisual.3 años de experiencia en televisión como realizadora (Mediaset).Periodista freelance sobre temas sociales y humanitarios. Artículos publicados en Planeta Futuro y La Voz de los ODS (UNRWA). Experiencia en el terreno en Bosnia: reportajes sobre los migrantes que recorren la Ruta de los Balcanes. Colabora con Baynana.
زر الذهاب إلى الأعلى