هناك في بلدة سان لورينثو دي الاسكوريال في ضواحي العاصمة الإسبانية مدريد، تحكي مجموعة من النساء المهاجرات بالإبرة والخيط قصص هجرتهنَ من أوطانهنَ واندماجهنَ في المجتمع المضيف وطموحاتهنَ المستقبلية، وذلك ضمن ورشة فنيّة تسعى من خلال التدّخل المادّي إلى السرد الذاتي لعملية هجرة النساء. تحاول هذه الورشة أنْ تُمكّن المهاجرات من التعبير عن أنفسهنَ باللغة الفنية بدلاً من الشفوية وبهما معاً في بعض الأحيان.
“كل منّا يصنع نموذجاً يُمثّل حياته، حياة الهجرة والتكيّف مع البلد الجديد، وتقديم قصّته منذ الولادة وحتّى اليوم، وعن المستقبل الذي لا نعرف عنه شيئاً”. تقول كريمة التهامي وهي واحدة من المهاجرات المشاركات في الورشة الفنيّة، وتبلغ من العمر 35 سنة جاءتْ من المغرب إلى إسبانيا مع عائلتها عندما كانت تبلغ من العمر 14 عاماً، تتحدث الإسبانية بطلاقة كما تتحدث الكتالونية أيضاً، ولديها طفلان أحدهما عمره 15 عاماً والآخر 11 عاماً. تعرّفتْ على الورشة الفنيّة من خلال منظّمة الصليب الأحمر.
تؤكد التهامي: “إنّها ورشة جيدة جداً بالنسبة لي، لأنّنا نلتقي بأشخاص جدد من البلدة. إضافةً إلى التدريب. إنّهم يقدّمون لنا الأفكار والنصائح” تضيف: “بعد سنوات عديدة في المنزل مع الروتين المعتاد، تمكنتُ من كسر هذا الروتين هنا. كانت هذه الورشة هي الأفضل بالنسبة لي”.
تدّخل اجتماعيّ وفنّيّ إبداعيّ
يتم تنظيم هذه الورشة الفنية في مبنى وسط بلدة سان لورينثو دي الاسكوريال، قدّمت المبنى جمعية أثيني – وهي جمعية ثقافية تعمل على تعزيز المعرفة العلمية والفنية -، وسوف تستضيف ذات المساحة المعرض الذي سيتم تنظيمه في ختام الورشة، والذي من المُزمع تنفيذه في عطلة نهاية الأسبوع يومي 12 و 13 مارس/آذار 2022.
يعتبر المشروع هو تدّخل اجتماعي وفني إبداعي، مع محاولة ربط المجتمع الإسباني بالعديد من الثقافات، وربط المشاركين الذين ربما يكون لديهم رؤية أقل للتعبير عن أنفسهم. تشرح حول ذلك مُنظّمة هذه الورشة الفنية، إيثيار لوبيث إيجيرا وهي شابّة إسبانية في الـ 25 من عمرها، ابنة بلدة سان لورينثو دي الاسكوريال، وتعمل متطوعةً مع الصليب الأحمر، كمعلمة لغة إسبانية للأجانب، دراستها في الأصل الفلسفة، ولكنها في الوقت نفسه تكرّس نفسها للفن وللرسم بشكل خاصّ، وهي حاصلة على ماجستير في دراسات النوع الاجتماعي متعددة التخصصات، وعلى درجة الماجستير في التدريس.
بدأت فكرة المشروع أثناء عمل لوبيث في أحد مراكز الصليب الأحمر في البلدة، حيث لم يكن هناك سوى جلسة واحدة في الأسبوع، لعدم توفر أماكن لدى المنظمة، وكانت النساء المهاجرات تطلب منها أن يكون هناك أكثر من حصة، فخطرت فكرة الورشة الفنية لها، وبالفعل مضتْ فيها قُدماً.
تشرح الشابة بأنّها تمكنت من خلال هذا المشروع من توجيه اهتماماتها: التدّخل الاجتماعي على المستوى العملي، والجزء الفني، تقول: “بدا لي أنّه من المثير للاهتمام أنهم – أي النساء المهاجرات – هُنَ مَنْ يُوّلدن روايتهنَ الخاصّة من وجهة نظر مادية. في كثير من الأحيان، يمكن أن تكون اللغة الشفوية حاجزاً، فيما اللغة الفنية عالمية، وبالتالي اللعب بكليهما أفضل”.
جوّ من الألفة والتنوع
المهاجرات المشاركات عدد منهن من المغرب وأخريات من بلدان أمريكا اللاتينية، لكن أصوات آلية الخياطة والضجة الكبيرة في المكان الذي يكاد يتسع لهنَ، لم يُخفِ أصوات ضحكاتهنَ والألفة التي تطفو على الجو العام فيما بينهنَ. “الشيء الجميل هو أنّ الأمر متنوع للغاية” تشرح لوبيث حول ما يفعلونه بشكل عام.
وأمّا جولاي سويسكوم إحدى المشاركات في الورشة، وهي من فنزويلا هاجرتْ إلى إسبانيا منذ سنوات بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي في بلدها. وهي أم عزباء، أطفالها يبلغون من العمر 18 و 11 عاماً. تؤكد أنها تحب هذه الأنواع من ورش العمل، بسبب فرصة الالتقاء والتعرّف على الثقافات الأخرى التي تسمح بها. “لقد تعلّمتُ الكثير، شيئاً غرسه والدي في نفسي، هذا الشيء المُتمثّل في وجود عقل منفتح على الآخرين دائماً”. تؤكد جولاي.
التجربة المشتركة والقدرة على التعبير عن أنفسهم ومساعدة بعضهم البعض أعطتْ المشاركات الكثير من الأمل. تقول جولاي إنّها تريد أن تمنح أولادها وطلابها الأدوات كي نتحد جميعًا. “في النهاية ، كلنا بشر، ويمكن أن يبدو العالم مكانًا معاديًا للغاية، والبشر أنانيون جداً. لكن لا يمكن الاستمرار على هذا النحو”.
لكلّ تصميم فنّي حكاية
لكلّ تصميم فنيّ حكاية تسرد حياة المشاركين في بلدانهم وفي إسبانيا، وتحكي عن تطلعاتهم المستقبلية. إحدى المشاركات بهذه التصاميم الفنية أمال رغيبوي 24 سنة، الشّابّة المغربية المليئة بالحيوية والنشاط، والتي وصلتْ إلى إسبانيا وهي في عمر السابعة، اليوم هي أمّ ولديها طفلة وطفل 5 و 7 سنوات، تتعاون مع إحدى الجمعيات لمساعدة النساء المهاجرات، كانت سعيدة جداً بالتحدث إلى مجلة بيننا، لأنّها تعتقد أنّه من الواجب عليها الحديث وتمثيل المرأة المهاجرة الّتي لا تتمتع بصوت عالٍ في المجتمع الإسباني. تقول أنّها تعلمتْ الكثير من هذا المشروع. “لقد شعرتُ بالحرية، كأنّني في أرضي، اتعلّم الكثير من الآخرين هنا”.
تخبرنا أمال عن عملها الذي تسميه “المرأة البطلة” التي ترتدي عباءة باللونين الأحمر والأصفر، ألوان إسبانيا. إنّه يمثل بالنسبة لها: “أنّها تطير مثل الأبطال الخارقين إلى بلد يتغلب على جميع التحديات: التمييز والكراهية والقيم الضئيلة المنسوبة إلينا. لقد تجاوزنا الأمر ونحن نعلم أننا لسنا كذلك. لدينا تلك الطبقة للدفاع عن أنفسنا”.
تقول “يُمثّل الّلون الأخضر والأحمر جذورك ثقافتك وبلدك. في الأسفل المغرب لأنّه لدي في داخلي. الأصل مغربي والثقافة مغربية والمعتقدات إسلامية، وفي نفس الوقت أشعر أنني جزء من المجتمع الإسباني. أحبُّ أنْ أكون جزءاً منه وأرغبُ في المساهمة بأشياء، بعضها أحضرها من بلدي حتّى نُشكّل من الاثنين معاً شيئًا جميلًا، ونتقدم”.
وبالعودة لكريمة التهامي الّتي لا يختلف حيوية ونشاط أمال عن حماسها، حيث سارعت لتخبرنا عن عملها الذي تريد أن تشارك فيه، والذي قامت برسمه أولاً ثم ستقوم بخياطته، تقول: “نحن نحكي كيف تبدو حياتنا من الطفولة إلى المستقبل، وهذان اللونان الأزرق والأبيض فهما لمدينتي المسماة شفشاون في المغرب، وهي مدينة صغيرة، لها لونان الأزرق والأبيض لا يمكنك العثور على منزل بلون آخر، هذه هي طفولتي”.
تضيف بعيون حزينة: “أمّا الحزام الأسود الذي هو الهجرة، لقد تركنا وراءنا قصصنا عائلاتنا طفولتنا أصدقائنا وذهبنا إلى إسبانيا، وأما الأزرق مرّة أخرى فهو يمثل الجزيرة التي عشنا فيها عند وصولنا إلى إسبانيا ’إيفيسيا‘. والأبيض عند زواجي”. تُشير إلى اللوحة مع ابتسامة: “وهذه الألوان هنا بالنسبة لي مجتمع مدريد، وهي ألوان الحفلة النموذجية في القرية ’لاروميريا‘. وأما الأزرق والأخضر، هذا ما أريد أن يكون عليه المستقبل. ربما في جزيرة من يدري أو في مكان ما هادئ مع الأشجار والبحر”.
وأما جولاي التي تعتبر هجرتها لإسبانيا تحدياً في حياتها، كان عليها أن تعيشه. فتقول عن الورشة: “على الرغم من أنّني لستُ خياطة! ولكن الورشة مبدعة للغاية” لوحة جولاي: عبارة عن مزيج من شيئين، اللباس الفنزويلي النموذجي (العلم الفنزويلي وزهرة الأوركيد التي لها رمزية في بلدها).
منحتْ هذه الورشة الفنية لكريمة وجولاي وأمال وبقية المشاركات فرصةً لكسر روتينهنَ اليومي، ولتذكّر أيام الطفولة، والتفكير في المستقبل، فكريمة تحلم بإكمال دراستها، وجولاي في تحسين أوضاع عائلتها، وأما أمال فلم تغلق الأبواب لكونها أمّ، حيث ترغب في المستقبل أن تحصل على تدريب لمواصلة أحلامها، وأن تعمل كأخصائية اجتماعية، ووسيطاً يساعد كلّ النساء اللواتي يرغبن في تمثيل أنفسهنَ في المجتمع.
توضح شهادة هذه المجموعة من النساء كيف أنّ تعزيز مساحات مثل هذه، يمكن أن يوفر فرصةً رائعةً لخلق روابط مشتركة، في مواجهة الصعوبات التي يعانون منها عندما لا يتحدثون اللغة، وعندما يقضون معظم أوقاتهم في المنزل لرعاية أطفالهم. هم ممتنون لأنّ مثل هذه المبادرات تجعل كلّ شيء أفضل بالمشاركة والتعاون. كما أنّ إبداعاتهم التي سيتم عرضها تتحدث عنهم، حيث يمكن لأي شخص يراها معرفة المزيد عن تجاربهنَ.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا