“فجأةً تبدأ الحرب وتُغيّر حياتك” تقول الشابّة الأوكرانية (جوليا أوكرياني 34 عاماً) التي وصلتْ إلى إسبانيا لتوها، هاربةً من الغزو الروسي لبلادها. الأم العازبة التي كانت تعمل في شراء الألبسة المستعملة وتجهيزها ثمّ بيعها تقول: “بدأت الحرب بإطلاق صفارات الإنذار، وكان علينا النزول إلى الطابق السفلي، ليلاً وخلال النهار”.
يرافقها طفلها الوحيد كيريل البالغ من العمر 6 سنوات، والذي يعاني من مرض طيف التوحّد. وقد كان لديه موعد في المستشفى قبل ثلاثة أيام من بدء الحرب، ولكن الحرب غيرتْ كلّ شيء. “بدأ طفلي يشعر بالخوف، الخوف من الظلام، لأننا لم نكن نستطع إشعال الأنوار في الليل حفاظاً على سلامة المكان من القصف، كان ينام بشكل سيء، وبدأت المشاكل بكثرة، لم أكن أعرف إلى أين أذهب”.
وثقت الأمم المتحدة منذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا حتى 8 أبريل – نيسان، سقوط 1766 قتيل بينهم 284 امرأة و 67 طفلاً. تعلّق جوليا على ذلك بأنه أمر مؤسف للغاية. وتضيف: “عندما يكون هناك حرب تقفز تلقائياً، لا يمكنك التفكير، لا تستطيع التمييز هل هي طائرة مدنية من طراز رياناير تمر عبر رومانيا أم أنها صاروخ، عند الفجر عليك أن تحمل الطفل وتنزل إلى القبو”. وتشرح أنه من الصعب بعض الشيء استيعاب ما يحصل، لكنها تؤكد: “لقد فهمت أن هذا الشيء في سوريا كان أسوأ بكثير”. تضيف: “كان هذا بعيداً عنّا بعض الشيء، لكن اليوم نحن نعيشه، من المؤسف أن يكون هناك صراع مستمر”.
وسيم غازي أيضاً لم يكن يتخيل أن يكون هناك حرب في بلاده لأنه كان يشعر بأن سوريا بلد آمن، وعندما كان يراها في دول أخرى كالعراق وفلسطين، كان يشعر أنها بعيدة. يقول: “لم نكن نتخيل أن يصل الشعب السوري إلى هذه الدرجة من الدمار والتشتت والكارثة الإنسانية التي حصلت، كنت دائماً أشعر أننا في سوريا في آمان، ولكنه كان آمان الموتى”.
كان غازي يعمل قبل اندلاع الحرب في بلاده كمدرّس لغة إنجليزية. “بعد بدء المظاهرات في منطقتي والتوتر الأمني في سوريا عامة توقفتْ الحياة وأغلقت أبواب المدرسة التي كان أعمل فيها، غيّرت الحرب حياتي وحياة جميع الناس”. وسيم غازي لاجئ في إسبانيا وصل إليها في العام 2014 بعد رحلة شاقّة من تركيا، ويعمل الآن في مدريد ضمن اتحاد النقل الجوي الدولي IATA.
فيما الدمار الناجم عن القصف العشوائي يتشابه في كلّاً من الحرب الأوكرانية والسورية، ومنذ بدء سلاح روسيا الجوي بقصف المدن السورية التي كانت تسيطر عليها المعارضة في العام 2015، قُتل خلال قصفها على المدن المأهولة بالسكّان قرابة 7 آلاف نسمة بينهم 2030 طفل، بينما قُتل منذ بدء الحرب السورية أكثر من 600 ألف نسمة. وشهدت البلاد أعظم موجة نزوح بعد تدخل روسيا في العام 2015 تجاه أوروبا. “القصف الروسي قصف ممنهج، نحن نتكلم عن قوة عالمية دخلت للحرب ضد الشعب السوري، وكان تدمير وقتل وتهجير للسوريين” يؤكد اللاجئ السوري وسيم غازي.
صراعات متوازية
دانيل بالسون مدير المناصرة في أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية يقول في تصريح لصحيفة واشنطن بوست حول الحربين السورية والأوكرانية: “لقد أذهلنا حقّاً مقدار أوجه التشابه (..) الكثير من الضحايا المدنيين الذين نوثّقهم في أوكرانيا قُتلوا نتيجة قنابل غبية، وليست أسلحة موجهة. من المستحيل استخدام مثل هذه الأسلحة في هذه المناطق المكتظة بالسكان مع ضمان عدم فقدان أي مدنيين لأرواحهم”.
عندما بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا بدأ العديد من السوريين بمقارنة ما يجري هناك وبما جرى ويجري حتى اليوم في بلادهم، حيث يقول غازي اللاجئ السوري: “أوّل ما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا بدأنا بالمقارنة بين الحربين، إنّ الأوكرانيين كالسوريين، كنا فقط ندافع عن أنفسنا، تماماً كما يفعل الشعب الأوكراني اليوم، كان هناك قصف ممنهج في سوريا نراه اليوم يتكرر أوكرانيا، حيث كان هناك عبارة عن عقاب جماعي لمناطق المعارضة في سوريا بما فيها من المدنيين، كان يتم استهداف الأماكن الحيوية المخابز المشافي والآن نرى ذلك مرّة أخرى في أوكرانيا”.
تستخدم روسيا في حربها على أوكرانيا الأسلحة جواً وجنودها يتقدمون أرضاً، نفس الاستراتيجية التي تدخلت فيها في سوريا في العام 2015 إلى جانب النظام السوري إلا أن الأخير ومليشياته يتقدمون أرضاً والروس جواً. كما أنها في أوكرانيا بدأت عملياتها العسكرية للقضاء على نظام حاكم، بينما في سوريا جاءت لتثبيت النظام السوري الذي كان يترنح تحت ضربات المعارضة.
الإكراه على مغادرة البلاد
وفقاً للإحصائيات الأخيرة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد فرّ قرابة أربعة مليون ونصف مواطن من الحرب في أوكرانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن بدأت روسيا غزوها في صباح 24 شباط – فبراير الماضي 2022، وفقاً لذات الإحصائيات لذات المنظمة الدولية فقد فرّ من الحرب التي ترفض أن تنتهي هناك في الشرق حتى اليوم قرابة 13 مليون لاجئ، نصفهم نازحين داخلياً، والنصف الآخر لاجئين خارجياً في دول الجوار والدول الأوروبية، يجمع بين الفارّين من الحربين الأوكرانية والسورية أشياء كثيرة، لكن أهمها هو آلة القتل الروسية.
يُكره كلا الشعبين على الفرار من أرضهم وإن اختلفت الطرق. غادرتْ جوليا بلادها في سيارة قلّتها من الحدود الأوكرانية إلى إسبانيا، تؤكد – بينما ابنها يلعب بجوارها أثناء المقابلة معها – أنها لم تمشِ سوى 100 متر برفقة وطفلها، إلى أن وصلت للسيارة، هي تشعر بالتعاطف الكبير مع الأوكرانيين الذين بقوا في أوكرانيا تحت القصف، وكذلك تتعاطف بشدة مع اللاجئين السوريين، الذين فرّوا لنفس السبب وهو روسيا، ولكنهم قطعوا مسافات طويلة حتى وصلوا لبلدان تستقبلهم، لأنه لم يتم الترحيب بهم في البلدان المجاورة لبلادهم.
اختارت اللاجئة الأوكرانية جوليا التوجه إلى ألمانيا، حيث لديها هناك صديقة ستقوم بمساعدتها، وتؤكد بأنّه ربما تكون هناك فرص العمل وظروف اللجوء أفضل من إسبانيا، أما وسيم اللاجئ السوري قد اختار على خلاف آلاف اللاجئين البقاء في إسبانيا، ولكنه يشعر بالتمييز بعد قرار إسبانيا بمنح أوراق اللجوء للأوكران خلال 24 ساعة، بينما استغرقت دراسة ملفه ومنحه اللجوء أكثر من عامين وثلاثة أشهر، على الرغم من فراره من سوريا لنفس السبب الذي فرّ منه اللاجئون الأوكرانيون، “هذا يكشف العنصرية والتمييز الذي يتعامل بهما الاتحاد الأوروبي ضد دول الشرق الأوسط”.
En español
Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.
Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.
Apóyanosنود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.
تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا
ادعمنا