fbpx
حقوقسوريا

الجامعة العربية توجه ضربة موجعة لملف حقوق الإنسان في تطبيعها مع الأسد

التطبيع مع الأسد يثير مخاوف حول مستقبل سوريا والسوريين

Mariam A – Moussa Al Jamaat

على الرغم مما ألّم بالسوريين من معاناة جرّاء الزلزال المدمّر الذي هزّ كلّ من تركيا والمنطقة الشمالية الغربية من سوريا في 6 شباط/ فبراير، والذي أدى إلى تأثر أكثر من 18 مليون شخص، ما بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى تشريد الملايين، إلا أن ما طفا على السطح، مخططات من نظام الأسد في توظيف المأساة لتحقيق مآربه الخاصة، حيث كان الزلزال بمثابة سلم للخروج من العزلة المفروضة عليه جرّاء العقوبات الدولية بسبب انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان.

استغل النظام الزلزال لفتح الأبواب أمام تطبيع العلاقات مع دول الجامعة العربية، التي قامت بدورها بانتهاز الفرصة التي أتيحت لها لتعجيل جهود التطبيع، فقدمت المساعدات الإنسانية كذريعة لإعادة الاتصالات مع النظام. 

أعلنت الجامعة العربية في بيان رسمي في 7 أيار/ مايو قرارها لعودة سوريا إلى حضن العائلة العربية، بعد قطع دام لأكثر من 12 عاما، في ضربة مؤلمة لقضايا حقوق الإنسان في المنطقة، حيث رمت الجامعة العربية بعرض الحائط سنوات من المجازر، والتعذيب، والاختفاء القسري، والتشريد الذي سببها نظام الأسد للشعب السوري.

 عقد من القمع الوحشي والأزمة الإنسانية

انطلقت شرارة الحرب في سوريا في عام 2011، نتيجة للقمع الوحشي من نظام الأسد لمظاهرات سلمية في مارس/آذار 2011، التي بدأت حرباً طاحنة، ما زالت تدور رحاها حتى الآن. 

وفقًا لتقارير حقوق الإنسان، ارتكب نظام الأسد العديد من جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري منذ بداية الحرب. تتضمن هذه الجرائم قصف المناطق المدنية بلا تمييز، واستهداف المرافق الطبية والعاملين فيها، ومنع وصول المساعدة الطبية لأولئك الذين يحتاجون إليها، بالإضافة إلى الترويع داخل السجون مع الإعدامات الجماعية الخارجة عن القضاء، والتعذيب، والاختفاءات القسرية، والعنف الجنسي.

 لم تنحصر جرائم النظام بهذا الحد، بل انتهك القوانين الدولية بشكل صريح باستخدامه أسلحة كيميائية ممنوعة دوليًا ضد المدنيين عدة مرات، من ضمنها مجزرة عام 2013 في الغوطة، التي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين من بينهم أطفال. ليس هذا فحسب، بل استخدم المجاعات كأداة من أدوات القتل ضد الشعب السوري، فمنع وصول المساعدات الإنسانية للمناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، مما دفع المدنيين إلى الجوع وسوء التغذية.

كانت نتائج هذه الجرائم كارثية على الشعب السوري؛ فقد تسببت بنزوح أكثر من 14 مليون سوري، منهم 6.8 شخص في الداخل؛ إضافة إلى ذلك، 70% من الشعب بحاجة إلى مساعدات إنسانية طارئة، حسب آخر تقرير من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في آذار/مارس 2023.

ردًا على هذه الجرائم، قامت عدة دول ومنظمات دولية بفرض عقوبات على النظام السوري منذ عام 2011، من ضمنها الاتحاد الأوروبي الذي استهدف النظام السوري بتجميد الأصول ومنع السفر ضد الأفراد والكيانات المشتركة في انتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على المؤسسات والأفراد الداعمة لنظام الأسد بموجب قانون قيصر عام 2019، القانون الذي سمي تيمنا بمنشق عن الجيش السوري، قام بتوثيق تعذيب المدنيين والمعتقلين بآلاف الصور المروعة.

سباق التطبيع مع نظام الأسد

أوقفت الجامعة العربية عضوية سوريا عام 2011. إلا إن المجتمع الدولي، وحتى القوى المناوئة للنظام، عدلت مواقفها الجامدة تجاهه منذ عام 2017؛ لا سيما بعد أن حقق النظام السوري مكاسب عسكرية بدعم من حلفائه الأساسيين، روسيا وإيران، ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة، من ضمنها داعش، حيث حولت بعض الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تركيزها إلى محاربة وهزيمة داعش، وتركت جانبا مسألة إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة.

على مدار الأعوام الماضية، شهد التواصل العربي مع نظام الأسد تحسناً بطيئا؛ حيث كانت هناك عدة محاولات دبلوماسية بارزة لإعادة بناء جسور التواصل مع دمشق.  في عام 2018، أعادت الإمارات العربية المتحدة والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. 

عقب الزلزال، أبدت السعودية الاهتمام لتقارب العلاقات مع سوريا، تجسيدا للتحولات الدبلوماسية والتحالفات الجديدة التي تنساب في الشرق الأوسط، أبرزها التطور في العلاقات السعودية الإيرانية، التي تؤثر على المنطقة بأسرها، ومن ضمنها سوريا.

ينبع هذا التطبيع من حاجات ومصالح مختلفة في الأروقة العربي؛ من ناحية، تأمل الحكومات العربية أن ينزع التطبيع فتيل التوترات الداخلية الناتجة عن وجود ملايين اللاجئين السوريين في بلادهم، بضمان عودة السوريين إلى ديارهم، بالإضافة إلى كبح تدفق المخدرات غير المشروعة، إلى الأردن، والعراق، في مسارها لدول الخليج. من ناحية أخرى، تتطلع السعودية للحد من التدخلات الإيرانية بأمن المنطقة، بما فيها كل سوريا، واليمن. 

يُشكل التطبيع معضلة دبلوماسية وأخلاقية للعالم، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي قد تجد نفسها مضطرة لفرض عقوبات على حلفائها في الشرق الأوسط لإدارة العقوبات على سوريا؛ كما سيؤدي تنازل الغرب إلى خسارة شرعيته الأخلاقية، خاصة لأن العواقب الحقيقية ستكون على ملف حقوق الإنسان في المنطقة وحول العالم؛ إذ أن التطبيع مع الأسد دون المساءلة عن جرائم النظام أو الإصلاحات الأساسية اللازمة، سيؤثر على تحقيق العدالة للسوريين، وسيؤثر على السلام في سوريا، ومنح البلاد فرصة للازدهار بعد الحرب، حسب تحذيرات هيومان رايتس ووتش. كما أن مثل هذا التنازل يوجه رسالة مرعبة  للحكومات الدكتاتورية حول العالم، مفادها أنه يمكن للتعدي على حقوق الإنسان أن يمر دون محاسبة، وهي مسألة حساسة خاصة بوجود الحرب الأوكرانية الروسية على المسرح العالمي.

ردود الفعل للتطبيع مع الأسد

توالت ردود الفعل الغاضبة بعد إعلان الجامعة العربية عودة سوريا إلى صفوف الجامعة العربية على أرض الواقع وعلى الإنترنت؛ سارعت المعارضة السورية بانتقاد تطبيع الدول العربية مع نظام الأسد، حيث حذر بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على تويتر بعواقب التطبيع المجاني مع النظام.

في ذات الوقت، تظاهر آلاف السوريين في عشرات المدن والبلدات في الشمال السوري تحت شعار “لا للتطبيع مع الأسد المجرم”، احتجاجًا على استئناف العلاقات بين دول عربية عدة ونظام الرئيس بشار الأسد.

أما على الواقع الافتراضي، فقد تساءلت روعة أوجيه، الصحفية اللبنانية في الجزيرة عما إذا كانت الجامعة ستحاسب النظام:

كما قام الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان، إبراهيم زيدان بالتذكير بجرائم الأسد:

كذلك تساءل بروفيسور العلوم السياسية في جامعة واشنطن، مارك لينش عن استغراب البعض لقرار جامعة الدول العربية:

في نفس الوقت، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية رفض بلادها لهذا التطبيع.

بعد إعادة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية، تبقى التساؤلات حول الأثر الفعلي لهذا القرار على الصراع السوري المستمر، وعلى الملايين من السوريين الذين دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة هذا الصراع. لا زال هناك غموض عما إذا كانت الجامعة ستحاسب النظام السوري على أفعاله، أم ستسود المصالح المختلفة، مما يهدد حقوق الإنسان في سوريا والمنطقة عمومًا، مع احتمالات تأثيرات على العالم بأسره.

كاتب

  • Moussa Al Jamaat

    Periodista sirio residente en Madrid desde 2019. Empezó a estudiar Informática en la Universidad de Damasco (campus de Daraa), pero abandonó sus estudios por la erupción del conflicto en Siria. Entre 2011 y 2019 trabajó como reportero y fotógrafo para agencias de noticias locales. Ahora trabaja como reportero, fotógrafo y se encarga de la web de Baynana. كانب/ مصور /مصمم صحفي سوري مقيم في مدريد منذ عام 2019. بدأ دراسة علوم الكمبيوتر في جامعة دمشق (فرع درعا) ، لكنه تخلى عن دراسته بسبب اندلاع الصراع في سوريا. بين عامي 2011 و 2019 عمل كمراسل ومصور لوكالات الأنباء المحلية. يعمل الآن كمراسل ومصور ومصمم ويدير موقع مجلة بيننا الإلكتروني.

En español

Apóyanos
Con tu aportación haces posible que sigamos informando

Nos gustaría pedirte una cosa… personas como tú hacen que Baynana, que forma parte de la Fundación porCausa, se acerque cada día a su objetivo de convertirse en el medio referencia sobre migración en España. Creemos en el periodismo hecho por migrantes para migrantes y de servicio público, por eso ofrecemos nuestro contenido siempre en abierto, sin importar donde vivan nuestros lectores o cuánto dinero tengan. Baynana se compromete a dar voz a los que son silenciados y llenar vacíos de información que las instituciones y las ONG no cubren. En un mundo donde la migración se utiliza como un arma arrojadiza para ganar votos, creemos que son los propios migrantes los que tienen que contar su historia, sin paternalismos ni xenofobia.

Tu contribución garantiza nuestra independencia editorial libre de la influencia de empresas y bandos políticos. En definitiva, periodismo de calidad capaz de dar la cara frente a los poderosos y tender puentes entre refugiados, migrantes y el resto de la población. Todo aporte, por pequeño que sea, marca la diferencia. Apoya a Baynana desde tan solo 1 euro, sólo te llevará un minuto. Muchas gracias.

Apóyanos
ادعمنا
بمساهمتك الصغيرة تجعل من الممكن لوسائل الإعلام لدينا أن تستمر في إعداد التقارير

نود أن نسألك شيئًا واحدًا ... أشخاص مثلك يجعلون Baynana ، التي هي جزء من Fundación porCausa ، تقترب كل يوم من هدفها المتمثل في أن تصبح وسيلة الإعلام الرائدة في مجال الهجرة في إسبانيا. نحن نؤمن بالصحافة التي يصنعها المهاجرون من أجل المهاجرين والخدمة العامة ، ولهذا السبب نقدم دائمًا المحتوى الخاص بنا بشكل علني ، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه القراء أو مقدار الأموال التي لديهم. تلتزم Baynana بإعطاء صوت لأولئك الذين تم إسكاتهم وسد فجوات المعلومات التي لا تغطيها المؤسسات والمنظمات غير الحكومية. في عالم تُستخدم فيه الهجرة كسلاح رمي لكسب الأصوات ، نعتقد أن المهاجرين أنفسهم هم من يتعين عليهم سرد قصتهم ، دون الأبوة أو كراهية الأجانب.

تضمن مساهمتك استقلالنا التحريري الخالي من تأثير الشركات والفصائل السياسية. باختصار ، الصحافة الجيدة قادرة على مواجهة الأقوياء وبناء الجسور بين اللاجئين والمهاجرين وبقية السكان. كل مساهمة ، مهما كانت صغيرة ، تحدث فرقًا. ادعم Baynana من 1 يورو فقط ، ولن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة. شكرا جزيلا

ادعمنا

Moussa Al Jamaat

Periodista sirio residente en Madrid desde 2019. Empezó a estudiar Informática en la Universidad de Damasco (campus de Daraa), pero abandonó sus estudios por la erupción del conflicto en Siria. Entre 2011 y 2019 trabajó como reportero y fotógrafo para agencias de noticias locales. Ahora trabaja como reportero, fotógrafo y se encarga de la web de Baynana. كانب/ مصور /مصمم صحفي سوري مقيم في مدريد منذ عام 2019. بدأ دراسة علوم الكمبيوتر في جامعة دمشق (فرع درعا) ، لكنه تخلى عن دراسته بسبب اندلاع الصراع في سوريا. بين عامي 2011 و 2019 عمل كمراسل ومصور لوكالات الأنباء المحلية. يعمل الآن كمراسل ومصور ومصمم ويدير موقع مجلة بيننا الإلكتروني.
زر الذهاب إلى الأعلى